بالإرادة علم بعد ذلك أنه عالم، وقد يعلم العالم أنه مريد ولا يخطر بقلبه أنه عالم، فليس كما من علم من البشر شيئاً علم لوازمه، لقصور علم البشر، بخلاف علم الخالق الذي علمه تام، فلا يعلم الملزوم إلا ويعلم لازمه كما تقدم.
وإذا كان كذلك، فالصواب في هذا الباب أن يقرر ما ذكره ابن سينا، من الطريق الدال على كونه عالماً بالمخلوقات، فإنها طريق صحيحة لا تتوقف على ما ذكروه.
ولكن يقال له: هذه الطريق تستلزم كونه مريداً، فإثباتك لفاعل عالم بمفعولاته بدون الإرادة تناقض.
وموجب الدليل شيء، وفساد الدليل شيء آخر.
فمطالبته بموجب دليله الصحيح هو الصواب، دون القدح في دليله الصحيح.
وأما ما ذكره عن إخوانه المنازعين له في العلم، حيث قالوا: ذاته ذات يلزم منها وجود الكل بالطبع والاضطرار، لا من حيث إنه عالم بها.
وقوله: فما المحيل لهذا المذهب، مهما وافقهم على نفي الإرادة؟.
فيقال له: المحيل لهذا المذهب ما تقدم من أن علمه بنفسه يوجب علمه بمخلوقاته.
والكلام في هذا المقام بعد تقرير أنه عالم نفسه.
فمن قال: إنه عالم بنفسه دون مخلوقاته، كان قوله باطلاً.
وأما تقرير كونه عالماً بنفسه، فهذا مذكور في موضعه.