والإرادة، وضايقوهم في جعل المعنى الواحد يكون أمراً وخبراً، حتى احتاج بعضهم إلى أن جعل الكلام كله بمعنى الخبر، والخبر مع المخبر كالعلم مع المعلوم، وقد يضطرون إلى أن يفسروا معنى الخبر بالعلم لعدم الفرق -فهذه لوازم المذهب الذي قد يستدل بها، إن كانت لازمة، على فساده، وليس كل من قال قولاً يلتزم بوازمه.
والناس لهم في الكلام ثلاثة أقوال: هل هو اسم اللفظ والمعنى جميعاً؟ كما هو قول الأكثرين، أم للفظ فقد بشرط دلالته على المعنى؟ كقول المعتزلة وكثير من غيرهم، أو للمعنى المدلول عليه باللفظ، كقول الكلابية؟ ومن متأخريهم من جعله مشتركاً بينهما اشتراكاً لفظياً.
وأما المتكلم ففيه أيضاً ثلاثة أقوال: أحدها: أنه من فعل الكلام، ولو في غيره، كما يقوله المعتزلة.
والثاني: من قام به الكلام، وإن لم يفعله، ولم يكن مقدوراً مراداً له، كما يقوله الكلابيه.
والثالث: من جمع الوصفين، فقام به الكلام وكان قادراً عليه.
ولا ريب أن جمهور الأمم يقولون: لا يكون متكلماً إلا من قام به الكلام، كما لا يكون متحركاً إلا من قامت به الحركة، ولا عالماً إلا من قام به العلم، ونحو ذلك.
لكن الكلابية اعتقدوا أنه لا تقوم به الحوادث، فامتنع لهذا عندهم أن يكون الكلام مقدوراً له مراداً.
قالوا: لأن المقدور المراد حادث لا يكون صفة لازمة له.
وأنت قد بينت فساد هذا الأصل، فكان يلزمك على أصلك أن تجوز قيام ذلك به، فإنه لا دليل لك على نفيه، إلا ما تنفى به سائر