أما الأولى - وهي أن القابل للشيء لا يخلو منه ومن ضده - فأكثر العقلاء على خلافها، والنزاع فيها بين طوائف الفقهاء والنظار، ومن الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة، كأصحاب احمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم، ومن قال ذلك التزم أن يكون لكل جسم طعم ولون وريح وغير ذلك من أنواع الأعراض، ولا دليل لأصحابها عليها.
وأبو المعالي في كتابه المشهور الذي سماه الأرشاد إلى قواطع الأدلة لم يذكر على ذلك حجة، بل هذه المقدمة احتاج إليها في مسألة حدوث العالم لما أرد أن يبين أن الجسم لا يخل من كل جنس من أجناس الأعراض عن عرض منه، فأحال على كلامه مع الكرامية، ولما تكلم مع الكرامية في هذه المسألة أحال على كلامه في مسألة حدوث العالم مع الفلاسفة، ولم يذكر دليلاً عقلياً، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء وإنما احتج على الكرامية بتناقضهم.
ومضمون ما اعتمد عليه من قال:(إن القابل للشيء لا يخلو منه ومن ضده) أن الجسم لا يخلو عن الأكوان الأربعة: الاجتماع، والافتراق، والحركة، والسكون، فتقاس بقية الأعراض عليها، واحتجوا بأن القابل لها لا يخلو عنها وعن ضدها بعد الاتصاف، كما سلمته الكرامية، فكذلك قبل الاتصاف.