وأما كونه خلقه قائماً بنفسه فهو ظاهر البطلان أيضاً، لأن الصفات لا تقوم بنفسها، ولكن الجهمية تقول: خلق علماً لا في محل، والبصريون من المعتزلة يقولون: خلق إرادة وقدرة لا في محل، وطائفة منهم يقولون: خلق بخلق بعد خلق لا في محل، وهذه المقالات ونحوها مما يعلم فساده بصريح العقل.
وأما القسم الأول - وهو كونه سبحانه خلقه في نفسه - فأبطله عبد العزيز أيضاً لكن ما في نفس الله تعالى يحتمل نوعين:
أحدهما: أن يقال: أحدث في نفسه بقدرته كلاماً بعد أن لم يكن متكلماً.
وهذا قول الكرامية وغيرهم ممن يقولون: كلام الله حادث ومحدث في ذات الله تعالى، وأن الله تكلم بعد أن لم يكن يتكلم أصلاً، وأن الله يمتنع ان يقال في حقه: ما زال متكلماً، وهذا مما أنكره الإمام أحمد وغيره.
والثاني: أن يقال: لم يزل الله متكلماً إذا شاء كما قاله الأئمة، وكل من هاتين الطائفتين لا تقول:(إن ما في نفس الله مخلوق) بل المخلوق عندهم لا يكون إلا منفصلاً عن نفس الله تعالى، وما قام به من أفعاله وصفاته فليس بمخلوق.
ولا ريب أن بشراً وغيره من القائلين بخلق القرآن كانوا يقولون: إنه خلق منفصلاً عنه كما خلق غيره من المخلوقات، فأما نفس خلق الرب