وحقيقة قول هؤلاء الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من الأشعرية وغيرهم: أن الرب لم يزل معطلاً لا يفعل شيئاً، ولا يتكلم بمشيئته وقدرته ثم إنه أبدع جواهر من غير فعل يقوم به، وبعد ذلك ما بقي يخلق شيئاً، بل إنما تحدث صفات تقوم بها، ويدعون أن هذا قول أهل الملل: الأنبياء وأتباعهم، وبينهم وبين الفلاسفة في مثل هذا نزاع أخطأ فيه كل من الفرقين، فإن الفلاسفة يقولون بإثبات المادة والصورة، ويجعلون المادة والصورة جوهرين، وهؤلاء يقولون: ليست الصورة إلا عرضاً قائماً بجسم.
والتحقيق: أن المادة والصورة لفظ يقع على معان.
كالمادة والصورة الصناعية والطبيعية، والكلية والأولية.
فالأول: مثل الفضة إذا جعلت درهماً وخاتماً وسبيكة، والخشب إذا جعل كرسياً، واللبن والحجر إذا جعل بيتاً، والغزل إذا نسج ثوباً، ونحو ذلك.
فلا ريب أن المادة هنا التي يسمونها الهيولى: هي أجسام قائمة بنفسها، وأن الصورة أعراض قائمة بها، فتحول الفضة من صورة إلى صورة هو تحولها من شكل إلى شكل، مع أن حقيقتها لم تتغير أصلاً.
وبهذا يظهر لك خطأ قول القائل: إن من أثبت افتقار المحدث إلى الفاعل بالقياس على حدوث الذوات قال هنا كذلك.