للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ مُطْلَقًا وَالْمَنْفَعَةِ جَائِزٌ كَصُلْحِ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْمُؤَجِّرِ عِنْدَ إنْكَارِهِ الْإِجَارَةَ، أَوْ مِقْدَارَ الْمُدَّةِ الْمُدَّعَى بِهَا، أَوْ الْأُجْرَةَ، وَكَذَا الْوَرَثَةُ إذَا صَالَحُوا الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَلَى مَالٍ مُطْلَقًا، وَالْمَنَافِعِ - إنْ اخْتَلَفَ جِنْسُهَا - فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَا إنْ اتَّحَدَ انْتَهَى.

(وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى (الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ) مِنْ الْقَتْلِ.

(وَ) فِي (مَا دُونَهَا) مِنْ نَحْوِ شَجِّ الرَّأْسِ وَقَطْعِ الْيَدِ (عَمْدًا) كَانَتْ الْجِنَايَةُ (أَوْ خَطَأً) أَمَّا الْعَمْدُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: ١٧٨] الْآيَةَ أَيْ مَنْ أُعْطِيَ لَهُ بَدَلَ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ شَيْءٌ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ فَالصُّلْحُ كَانَ عَنْ الْمَالِ لَكِنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ عَلَى أَخْذِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ لِلرِّبَا، إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِأَخْذِ مَقَادِيرِهَا فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِزِيَادَةٍ جَازَ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ، وَكَذَا عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَا مُوجَبَ لَهُ فِي الْمَالِ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِهَا جَازَ كَيْفَ مَا كَانَ لِعَدَمِ الرِّبَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِيَخْرُجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ.

(وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ أَيْضًا (عَنْ دَعْوَى الرِّقِّ) كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ عَبْدُهُ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ (وَكَانَ عِتْقًا بِمَالٍ) فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَصَحَّ (وَلَا وَلَاءَ) لَهُ (عَلَيْهِ) لِإِنْكَارِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُقْبَلَ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ، هَذَا إذَا أَنْكَرَ الْعَبْدُ الرِّقَّ، أَمَّا إذَا صَالَحَهُ بِإِقْرَارِهِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ.

(وَ) صَحَّ الصُّلْحُ عَنْ (دَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ وَكَانَ خُلْعًا) مُطْلَقًا فِي زَعْمِهَا إنْ كَانَ بِإِقْرَارٍ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارٍ يَكُونُ خُلْعًا فِي زَعْمِهِ وَدَفْعًا فِي زَعْمِهَا وَلَا تَلْزَمُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا قَضَاءً فَإِنْ أَقَامَ عَلَى التَّزْوِيجِ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ لَمْ تُقْبَلْ (وَيَحْرُمُ) أَخْذُ الْمَالِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي (دِيَانَةً إنْ كَانَ مُبْطِلًا) فِي دَعْوَاهُ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ فَيَكُونَ تَمْلِيكًا عَلَى طَرِيقِ الْهِبَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.

(وَلَوْ صَالَحَهَا بِمَالٍ لِتُقِرَّ لَهُ بِالنِّكَاحِ) جَازَ وَتُجْعَلُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ابْتِدَاءً بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ زَادَ فِي مَهْرِهَا (وَلَا يَجُوزُ إنْ ادَّعَتْهُ) أَيْ النِّكَاحَ (الْمَرْأَةُ) هَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ صَرَّحَ بِهِ الزَّاهِدِيُّ وَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بَذَلَ لَهَا الْمَالَ لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً، فَالزَّوْجُ لَا يُعْطِي الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى فَلَا شَيْءَ يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ فَلَمْ يَصِحَّ.

(وَقِيلَ يَجُوزُ) وَجْهُهُ أَنْ يُجْعَلَ بَدَلُ الصُّلْحِ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا.

(وَلَا) يَصِحُّ الصُّلْحُ (عَنْ دَعْوَى الْحَدِّ) مِنْ الْحُدُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>