فَلَوْ أَخَذَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ بَطَلَ الصُّلْحُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا دَفَعَ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ قَاذِفَ الْمُحْصَنِ أَوْ الْمُحْصَنَةِ فَصَالَحَهُ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا حَقُّ الْمُرَافِعِ (وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ) كَصُلْحِ وَاحِدٍ عَنْ حَقِّ الْعَامَّةِ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَمَّا أَشْرَعَهُ إلَى الطَّرِيقِ، نَعَمْ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ وَيَضَعُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
(وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ رَجُلًا عَمْدًا وَصَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ تِجَارَتِهِ وَلِذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بَيْعًا فَلَا يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصًا بِمَالِ الْمَوْلَى، إلَّا أَنَّ وَلِيَّ الْقَتْلِ لَا يَقْبَلُهُ بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُ بِبَدَلِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِلْحَالِ، وَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ نَفْسِهِ.
(بِخِلَافِ صُلْحِهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ (عَنْ نَفْسِ عَبْدٍ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا) جَازَ صُلْحُهُ، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي عَبْدِهِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بَيْعًا وَاسْتِخْلَاصًا.
(وَإِنْ صَالَحَ) الْغَاصِبُ (عَنْ مَغْصُوبٍ - تَلِفَ - بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ (جَازَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا - قِيمَتُهُ أَلْفٌ -، أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَبْطُلُ الْفَضْلُ) مِنْ قِيمَتِهِ (إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ) النَّاسُ (فِيهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقِيمَةِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا رِبًا، وَلَهُ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَالِكِ بَاقٍ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْأَكْثَرِ كَانَ اعْتِيَاضًا فَلَا يَكُونُ رِبًا.
(وَإِنْ) صَالَحَ عَنْهُ (بِعَرْضٍ صَحَّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ لَا (اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ صَالَحَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى.
قَيَّدَ بِكَوْنِ الصُّلْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ حَالًا وَقَبَضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا) بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ (وَصَالَحَ) الشَّرِيكَ (عَنْ بَاقِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (بَطَلَ الْفَضْلُ) بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ دُونَ تَقْدِيرِ الْقَاضِي فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا (وَإِنْ) صَالَحَهُ (بِعَرْضٍ صَحَّ كَيْفَ مَا كَانَ لِمَا مَرَّ) أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، قَيَّدَ الْمُعْتِقَ بِقَوْلِهِ مُوسِرًا؛ إذْ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَا تَلْزَمُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَلْ تَلْزَمُ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَتُهُ كَمَا مَرَّ.
(وَيَجُوزُ صُلْحُ الْمُدَّعِي بِمَالٍ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُنْكِرِ لِيُقِرَّ لَهُ) بِالْعَيْنِ، صُورَتُهُ: رَجُلٌ ادَّعَى عَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ لِيَعْتَرِفَ لَهُ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَيَكُونُ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ كَالْبَيْعِ، وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute