(وَإِنْ خَالَفَ) الْمُضَارِبُ شَرْطَ رَبِّ الْمَالِ (فَغَاصِبٌ) وَلَوْ أَجَازَ بَعْدَهُ؛ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ فَصَارَ غَاصِبًا، فَيَضْمَنُ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَعَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ - وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ.
(وَإِنْ شَرَطَ كُلَّ الرِّبْحِ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (فَمُسْتَقْرِضٌ) فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ الرِّبْحِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ رَأْسُ الْمَالِ مِلْكًا لَهُ، لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ، وَاشْتِرَاطُهُ لَهُ يُوجِبُ تَمْلِيكَهُ رَأْسَ الْمَالِ اقْتِضَاءً.
(وَإِنْ شَرَطَ) كُلَّ الرِّبْحِ (لِرَبِّ الْمَالِ فَمُسْتَبْضِعٌ) حَيْثُ يَكُونُ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ بِلَا بَدَلٍ، وَعَمَلُهُ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ فَكَأَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا.
(وَإِنْ فَسَدَتْ) الْمُضَارَبَةُ بِشَيْءٍ (فَأَجِيرٌ) لِأَنَّ الْمُضَارِبَ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَمَا شَرَطَهُ لَهُ كَالْأُجْرَةِ عَلَى عَمَلِهِ، وَمَتَى فَسَدَتْ ظَهَرَ مَعْنَى الْإِجَارَةِ فَلَا رِبْحَ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ، وَلَمَّا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (أَجْرُ مِثْلِهِ) أَيْ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَمْ يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا أَجْرَ لَهُ إذَا لَمْ يَرْبَحْ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ.
(وَلَا يُزَادُ) أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ (عَلَى) قَدْرِ (مَا شُرِطَ لَهُ) مِنْ الرِّبْحِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ عِنْدَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.
(وَلَا يَضْمَنُ) الْمُضَارِبُ (الْمَالَ) بِالْهَلَاكِ (فِيهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَا يَضْمَنُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ ضَمِينًا، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَامِنٌ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا بِمَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ) مِنْ النَّقْدَيْنِ وَالتِّبْرِ وَالْفَلْسِ النَّافِقِ، لَكِنْ فِي الْكُبْرَى أَنَّ فِي الْمُضَارَبَةِ بِالتِّبْرِ رِوَايَتَيْنِ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُمَا تَصِحُّ بِالْفَلْسِ، وَلَمْ تَصِحَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَإِنْ دَفَعَ عَرْضًا وَقَالَ: بِعْهُ وَاعْمَلْ فِي ثَمَنِهِ مُضَارَبَةً) فَقَبِلَ (أَوْ قَالَ: اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ) مِنْ الدَّيْنِ (وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً) فَقَبِلَ (جَازَتْ أَيْضًا) كَمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أُضِيفَتْ إلَى ثَمَنِ الْعَرْضِ وَهُوَ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ، وَفِي الثَّانِيَةِ أُضِيفَتْ إلَى زَمَانِ الْقَبْضِ، وَالدَّيْنُ إذَا قُبِضَ صَارَ عَيْنًا فَيَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ قَالَ: اقْبِضْ دَيْنِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً، فَعَمِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ كُلَّهُ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ: فَاعْمَلْ بِهِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا بِالْوَاوِ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فَلَا يَكُونُ مَأْذُونًا بِالْعَمَلِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ