لَا يَصِحُّ.
وَكَوْنُ الْمُودَعِ مُكَلَّفًا شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ صَبِيًّا فَاسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مَحْجُورًا ضَمِنَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ كَانَ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ ضَمِنَ عَاقِلَةَ الصَّبِيِّ قِيمَتَهُ، وَخُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ، وَصَيْرُورَةُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَوُجُوبُ أَدَائِهِ عِنْدَ طَلَبِ مَالِكِهِ وَشَرْعِيَّةُ الْإِيدَاعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهَا وَبِالسُّنَّةِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُودِعُ وَيُسْتَوْدَعُ» وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ قَبُولَ الْوَدِيعَةِ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ، وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» (وَهِيَ) أَيْ الْوَدِيعَةُ (أَمَانَةٌ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ خَاصَّةٌ وَالْأَمَانَةَ عَامَّةٌ، وَحَمْلُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ صَحِيحٌ دُونَ الْعَكْسِ كَمَا يُقَالُ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ وَلَا يُقَالُ: الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ فَالْوَدِيعَةُ هِيَ الِاسْتِحْفَاظُ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ، وَفِي الْوَدِيعَةِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ، وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يَبْرَأُ بَعْدَ الْخِلَافِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ فِي إحْدَاهُمَا الْقَصْدُ وَفِي الْأُخْرَى عَدَمُهُ كَانَ بَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ لَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَالْأَمَانَةُ قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ قَصْدٍ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَالْأَمَانَةُ مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَوْنُهَا بِلَا اعْتِبَارِ قَصْدٍ لَا إنَّ عَدَمَ الْقَصْدِ مُعْتَبَرٌ فِيهَا حَتَّى يَلْزَمَ التَّبَايُنُ بَلْ هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْقَصْدِ فَقَطْ، وَالْأَمَانَةُ قَدْ تَكُونُ بِالْقَصْدِ وَبِغَيْرِهِ تَدَبَّرْ وَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْحِفْظِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْعَقْدِ، وَالْأَمَانَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ عَقْدٍ فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمَانَةَ مُبَايِنَةٌ لِلْوَدِيعَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الْحِفْظِ فِعْلُ الْمُودِعِ، وَهُوَ الْمَعْنَى، وَالْأَمَانَةُ عَيْنٌ مِنْ الْأَعْيَانِ فَيَكُونَانِ مُتَبَايِنَيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْوَدِيعَةُ مَا تُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ كَمَا فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ.
(فَلَا يَضْمَنُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ (بِالْهَلَاكِ)) سَوَاءٌ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْ لَا هَلَكَ مَعَهَا لِلْمُودَعِ شَيْءٌ أَوْ لَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَلِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا،
وَلَوْ ضَمِنَهَا الْمُودَعُ امْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِهَا، وَفِي ذَلِكَ تَعْطِيلُ الْمَصَالِحِ
، وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ، وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الدُّرَرِ فَقَالَ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُودَعُ مُجْهِلًا أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَتُضْمَنُ، وَكَذَا الْأُمَنَاءُ أَيْ كُلُّ أَمِينٍ مَاتَ مُجْهِلًا لِحَالِ الْأَمَانَةِ يَضْمَنُ إلَّا مُتَوَلِّيًا أَخَذَ الْغَلَّةَ، وَمَاتَ مُجْهِلًا، وَسُلْطَانًا أَوْدَعَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ وَمَاتَ مُجْهِلًا أَيْ بِلَا بَيَانِ الْمُودَعِ، وَقَاضِيًا أَوْدَعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَمَاتَ مُجْهِلًا بِلَا بَيَانِ الْمُودَعِ انْتَهَى لَكِنَّ الْأَوْلَى الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَوْدَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute