وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْعَارَ يَائِيٌّ وَالْعَارِيَّةَ وَاوِيَّةٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا أَنْفُسُهُمْ بِهِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارَةِ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ.
وَفِي النِّهَايَةِ إنَّ مَا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ كَانَ الْعَارُ فِي طَلَبِهَا لَمَا بَاشَرَهَا، وَقِيلَ هِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ مَوْضُوعٌ بِلَا نِسْبَةٍ كَالدُّرْدِيِّ وَالْكُرْسِيِّ، وَهِيَ مِنْ التَّعَاوُرِ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ بِلَا تَشْدِيدٍ فَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْغَيْرِ نَوْبَةً، وَلِنَفْسِهِ نَوْبَةً، وَقِيلَ هِيَ اسْمُ الْعَيْنِ الْمُعَارِ، وَشَرِيعَةً (هِيَ) أَيْ الْعَارِيَّةُ بِمَعْنَى الْإِعَارَةِ لِلْعَارِيَّةِ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِمَا أُعِيرَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ حَمْلُ التَّمْلِيكِ عَلَيْهِ (تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ) مِنْ عَيْنٍ مَعَ بَقَائِهَا احْتِرَازٌ عَنْ قَرْضِ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ، وَعَنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (بِلَا بَدَلٍ) احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هِيَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ، وَتَبْطُلُ بِالنَّهْيِ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يَبْطُلُ بِهِ كَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَنْ مَلَكَ الْمَنَافِعَ مَلَكَ إجَارَتَهَا، وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ غَيْرُ جَائِزٍ مَعَ الْجَهْلِ بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ إذْ فِيهَا لَا يُشْتَرَطُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ، وَلَنَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْعَرِيَّةِ هِيَ الْعَطِيَّةُ مِنْ الثِّمَارِ؛ وَلِذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُعِيرَتْ لِلتَّمْلِيكِ بِلَا عِوَضٍ كَانْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ، وَالنَّهْيُ لَيْسَ إبْطَالًا لِلْمِلْكِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بَلْ يَمْنَعُ عَنْ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَالِاسْتِرْدَادِ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَ الْمُسْتَعِيرَ الْمَنَافِعَ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ مَتَى شَاءَ، فَلَوْ مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُعِيرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَهْلُ فِيهَا لَيْسَ بِمُضِرٍّ لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَى النِّزَاعِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلَحْظَةٍ، وَالْمَنَافِعُ قَابِلَةٌ لِلتَّمْلِيكِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا مُسْتَحَبَّةً، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ أَوْ وَاجِبَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْبُعْدِ.
وَشَرْطُهَا قَابِلِيَّةُ الْعَيْنِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا، وَسَبَبُهَا مَا مَرَّ مِنْ التَّعَاضُدِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ الْمَدَنِيُّ بِالطَّبْعِ، وَمَحَاسِنُهَا النِّيَابَةُ عَنْ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فِي إجَابَةِ الْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُحْتَاجِ كَالْقَرْضِ فَلِهَذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ، وَالْقَرْضَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ (وَلَا تَكُونُ) الْعَارِيَّةُ (إلَّا فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ)
اعْلَمْ أَنَّ الْإِعَارَةَ نَوْعَانِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، فَالْحَقِيقَةُ: إعَارَةُ الْأَعْيَانِ الَّتِي يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا كَالثَّوْبِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ، وَالْمَجَازُ إعَارَةُ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونَاتِ فَتَكُونُ إعَارَةً صُورَةً وَقَرْضًا مَعْنًى، وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَإِعَارَةُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا إنَّمَا يُمْكِنُ بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا فَاقْتَضَى إعَارَتَهَا تَمْلِيكُهَا، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْهِبَةِ أَوْ الْقَرْضِ لِكَوْنِهِ أَدْنَى ضَرَرًا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ (إلَّا إذَا عَيَّنَ انْتِفَاعًا يُمْكِنُ رَدُّ الْعَيْنِ بَعْدَهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute