أَيْ بَعْدَ الِانْتِفَاعِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ لِيُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا صَارَتْ عَارِيَّةً لَا قَرْضًا.
(وَتَصِحُّ) الْعَارِيَّةُ (بِأَعَرْتُكَ) أَيْ جَعَلْتهَا عَارِيَّةً لَك لِكَوْنِهِ صَرِيحًا فِيهَا لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ أَرْكَانَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَشَرْطَهَا الْقَبْضُ (وَمَنَحْتُك) هَذَا الثَّوْبَ بِمَعْنَى أَعْطَيْتُك؛ لِأَنَّ هَذَا إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ إذًا أَصْلُهُ إعْطَاءُ الشَّيْءِ لِآخَرَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ أَيَّامًا، ثُمَّ يَرُدُّهُ فَرُوعِيَ أَصْلُهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ هِبَةٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ
(وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي) هَذِهِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا قَارَنَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ كَالْبُرِّ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ عَيْنِهِ، وَإِذَا قَارَنَ إلَى مَا لَا يُطْعَمُ كَالْأَرْضِ يُرَادُ بِهِ أَخْذُ غَلَّتِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ (وَحَمَلْتُك عَلَى دَابَّتِي) هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ: حَمَلَ فُلَانٌ فُلَانًا دَابَّتَهُ إذَا أَعَارَهُ إيَّاهَا، وَإِذَا وَهَبَهُ إيَّاهَا، فَإِذَا نَوَى أَحَدُهُمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً فَكَانَ عَارِيَّةً.
وَفِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ كَلَامٌ تَتَبَّعْ (وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ، وَهُوَ الْعَارِيَّةُ (إذَا لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ الْإِطْعَامِ وَالْحَمْلِ وَالْإِخْدَامِ (الْهِبَةَ) .
فَإِذَا نَوَى أَحَدَهَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى كَمَا مَرَّ (وَدَارِي لَك سُكْنَى) أَيْ مِنْ جِهَةِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ دَارِي مُبْتَدَأٌ وَلَك خَبَرُهُ وَسُكْنَى تَمْيِيزٌ عَنْ النِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَك يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَقَوْلُهُ: سُكْنَى مُحْكِمٌ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ مُعَيِّنٌ لِلثَّانِي بِحُكْمِ التَّفْسِيرِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً (أَوْ) دَارِي لَك (عُمْرِي سُكْنَى) فَعُمْرِي مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْمَرْتُهَا لَك عُمْرِي وَالْعُمْرَى جَعْلُ الدَّارِ لِأَحَدٍ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَسُكْنَى تَمْيِيزٌ وَتَخْصِيصٌ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعَارِيَّةِ.
(وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا) أَيْ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْمُقَيَّدَةِ (مَتَى شَاءَ) لِعَدَمِ لُزُومِهَا هَذَا إذَا لَمْ يَنْقَلِبْ إجَارَةً وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ أَمَةً لِتُرْضِعَ ابْنَهُ فَأَرْضَعَتْهُ فَلَمَّا صَارَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ خَادِمَتِهِ إلَى أَنْ يُفْطَمَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ فَأَعَارَهُ إيَّاهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ أَخْذَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَقِيَهُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكِرَاءِ أَوْ الشِّرَاءِ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ، وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَجْرُ مِثْلِ الْفَرَسِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي طَلَبَ صَاحِبُهُ إلَى أَدْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِدُ فِيهِ كِرَاءً أَوْ شِرَاءً.
(وَلَوْ هَلَكَتْ) الْعَارِيَّةُ (بِلَا تَعَدٍّ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ (فَلَا ضَمَانَ) ، وَلَوْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّبْيِينِ.
وَالْعَارِيَّةُ إذَا اشْتَرَطَ فِيهَا الضَّمَانَ يَضْمَنُ عِنْدَنَا فِي رِوَايَةٍ، وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ جَزَمَ بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي رِوَايَةٍ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَعِرْنِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ ضَاعَ فَأَنَا ضَامِنٌ وَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ انْتَهَى، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute