إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْغَيْرِ، فَإِنْ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهَا ضَمِنَهَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعِيرَ، وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا يَمْلِكُ وَالِدُ الصَّغِيرِ إعَارَةَ مَالِ وَلَدِهِ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَعَارَتْ شَيْئًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ فَهَلَكَ إنْ كَانَ شَيْئًا دَاخِلَ الْبَيْتِ، وَمَا يَكُونُ فِي أَيْدِيهِنَّ عَادَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ أَمَّا فِي الْفَرَسِ وَالثَّوْرِ فَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمَرْأَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ قَبَضَ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» ، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ هَلَكَتْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ لَا، وَمَا رَوَيَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَمَانِ الرَّدِّ.
(وَلَا تُؤَجَّرُ) الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْإِجَارَةِ، وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ فَوْقَهُ (وَلَا تُرْهَنُ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يُودِعَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ عَدَمَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (كَالْوَدِيعَةِ) أَيْ كَمَا لَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ الْوَدِيعَةُ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا (فَإِنْ آجَرَهَا) أَيْ آجَرَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ (فَتَلِفَتْ) أَيْ هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ (ضَمَّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ) أَيْ الْمُعِيرُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ يُضَمِّنُ الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِتَعَدِّيهِ أَوْ يُضَمِّنُ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مِلْكَ الْمُعِيرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَإِنْ ضَمَّنَ) أَيْ الْمُعِيرُ (الْمُؤَجَّرَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرَ (لَا يَرْجِعُ) بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى أَحَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَجَّرَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ
(وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ رَجَعَ عَلَى الْمُؤَجَّرِ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُسْتَأْجِرُ (أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ مَا اسْتَأْجَرَهُ (عَارِيَّةٌ) عِنْدَ مُؤَجَّرِهِ، وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ مُؤَجِّرِهِ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ غُرُورٌ وَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْغَصْبِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يُعِيرَ) مَا اسْتَعَارَهُ إنْ كَانَ (مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ كَالْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ) وَالِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمَالِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ غَيْرُ مُفِيدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُ فَلَا يَمْلِكُ إبَاحَتَهَا غَيْرُهُ، وَلَنَا أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ فَيَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَهَا كَمَا مَرَّ (لَا مَا يَخْتَلِفُ) بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ (كَالرُّكُوبِ) أَيْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ (إنْ عَيَّنَ) الْمُعِيرُ (مُسْتَعْمِلًا) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْعَسْكَرِيِّ لَا يَكُونُ كَرُكُوبِ السُّوقِيِّ، وَلُبْسَ الْقَصَّابِ لَيْسَ كَلُبْسِ الْبَزَّازِ.
(وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْمُعِيرُ مُسْتَعْمِلًا (جَازَ أَيْضًا) كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً حِينَئِذٍ (مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ) الْمُنْتَفِعُ بِفِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ (فَإِنْ تَعَيَّنَ) الْمُنْتَفِعُ بِفِعْلِهِ (لَا يَجُوزُ) لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ، وَفَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute