رَكِبَ هُوَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (إرْكَابُ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَرْكَبَ) الْمُسْتَعِيرُ (غَيْرَهُ) فَ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ هُوَ) يَعْنِي مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مُطْلَقًا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ أَوْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ وَيَرْكَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُرَكِّبَ غَيْرَهُ وَأَيًّا فَعَلَ مِنْ الْحَمْلِ أَوْ حَمْلِ الْغَيْرِ مِنْ الرُّكُوبِ أَوْ الْإِرْكَابِ فَقَدْ تَعَيَّنَ الْعَمَلُ فَلَيْسَ بَعْدَ حَمْلِهِ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ، وَلَا عَكْسُ هَذَا وَإِلَّا ضَمِنَ، وَكَذَا حُكْمُ الْإِرْكَابِ بَعْدَ الرُّكُوبِ وَعَكْسِهِ لِتَعَيُّنِ الرُّكُوبِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِرْكَابِ فِي الثَّانِي، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بَعْدَ الْإِرْكَابِ وَيَرْكَبَ بَعْدَ الرُّكُوبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَإِنْ قُيِّدَتْ) الْإِعَارَةُ (بِنَوْعٍ أَوْ وَقْتٍ) أَيْ قَيَّدَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ بِنَوْعٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ فُلَانٌ مُعَيَّنٌ أَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِشَهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ مَثَلًا (أَوْ بِهِمَا) أَيْ قَيَّدَهَا بِالنَّوْعِ وَالْوَقْتِ جَمِيعًا (ضَمِنَ) الْمُسْتَعِيرُ (بِالْخِلَافِ) فِي وَاحِدٍ مِنْهَا (إلَى شَهْرٍ فَقَطْ) فَلَمْ يَضْمَنْ بِالْخِلَافِ إلَى مِثْلٍ أَوْ خَيْرٍ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ: احْمِلْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ هَذِهِ الْحِنْطَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَهَا أَوْ دُونَهَا فِي الضَّرَرِ كَحَمْلِ مِثْلِ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالشَّيْءِ إذْنٌ بِمَا يُسَاوِيهِ، وَبِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ، فَإِنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تُعْتَبَرُ الْمَنْفَعَةُ وَالضَّرَرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: احْمِلْ عَلَيْهَا عَشْرَةَ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشْرَةَ أَقْفِزَةِ بُرٍّ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ لَمْ يَرْضَ بِالشَّيْءِ الثَّقِيلِ فَيَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي.
(وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ الِانْتِفَاعَ (فِيهِمَا) أَيْ فِي النَّوْعِ وَالْوَقْتِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (الِانْتِفَاعُ بِأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَأَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَبُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي الْمِنَحِ وَجَعَلَ الْفَتْوَى فِي السِّرَاجِيَّةِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُودَعُ أَوَّلًا تُودَعُ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ تَمَلَّكَ الْإِعَارَةَ، أَمَّا فِيمَا لَا يَمْلِكُهَا فَلَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا حَمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ، وَفِي مَسَافَةِ الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ أَوْ فِي الْوَقْتِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمُعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ.
(وَتَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَيْ غَرْسِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَعْلُومَةٌ، وَتَجُوزُ إجَارَتُهَا فَكَذَا إعَارَتُهَا بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُعِيرِ (أَنْ يَرْجِعَ) عَنْ الْعَارِيَّةِ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ (مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ (وَيُكَلِّفُهُ) أَيْ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ (قَلْعَهُمَا) أَيْ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ أَرْضَ الْمُعِيرِ بِهِمَا فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهِ إلَّا إذَا شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَا تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute