للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ غَصَبَ مَتَاعًا وَوَضَعَهُ فِي الدَّارِ، ثُمَّ وَهَبَ الْمُعِيرُ الدَّارَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي الدَّارِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْمُعِيرَ هُوَ الَّذِي غَصَبَ الْمَتَاعَ وَوَضَعَهُ فِي الدَّارِ، ثُمَّ وَهَبَ الْمُعِيرُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ كَانَتْ الْهِبَةُ تَامَّةً وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَهَبَ دَارًا وَسَلَّمَ، وَفِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَشْغُولٌ بِمَا لَيْسَ بِهِبَةٍ فَلَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ، وَلَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ دَارَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِيهَا، وَزَوْجُهَا أَيْضًا سَاكِنٌ فِيهَا جَازَتْ الْهِبَةُ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ قَابِضًا لِلدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَتَاعَهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارًا، وَالدَّارُ مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِ الْوَاهِبِ جَازَتْ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدَارٍ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَالْأَبُ سَاكِنُهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضِ الْكَامِلِ فِي الْمَنْقُولِ مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ وَفِي الْعَقَارِ أَيْضًا مَا يُنَاسِبُهُ، فَأَخْذُ مِفْتَاحِ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ قَبْضٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ ثِيَابًا فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ وَدَفَعَ الصُّنْدُوقَ لَا يَكُونُ قَبْضًا فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ.

وَفِي الْفُصُولَيْنِ هِبَةُ الْمَرِيضِ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إذْ الْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ، وَلَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَكِنَّهَا هِبَةٌ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ.

(فَإِنْ قَبَضَ) الْمَوْهُوبُ (فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْهِبَةِ (بِلَا إذْنٍ) صَرِيحٍ مِنْ الْوَاهِبِ (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَبْضَ كَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ كَمَا أَنَّ الْإِيجَابَ مِنْهُ يَكُونُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبُولِ.

(وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَرَادَ بِهِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ (لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ) الصَّرِيحِ فَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ؛ لِأَنَّا أَثْبَتْنَا التَّسْلِيطَ فِيهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْقَبُولِ، وَالْقَبُولُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَكَذَا مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ، فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا إذَا نَهَى عَنْ الْقَبْضِ صَرِيحًا، فَإِنَّ التَّسْلِيطَ مَوْجُودٌ لَكِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَبْضُ أُجِيبُ بِأَنَّهُ إذَا نَهَاهُ صَرِيحًا لَا تَعْمَلُ الدَّلَالَةُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا تَعْمَلُ بِمُقَابَلَةِ الصَّرِيحِ فَلِهَذَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَا بَعْدَهُ.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْحَاصِلُ إنَّهُ إذَا أَذِنَ بِالْقَبْضِ صَرِيحًا يَصِحُّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ وَيَمْلِكُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَلَوْ نَهَى عَنْ الْقَبْضِ بَعْدَ الْهِبَةِ لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ لَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ قِيَاسًا، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ إنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الْقَبْضُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ غَائِبًا فَذَهَبَ وَقَبَضَ، فَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ جَازَ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَجُوزُ هَذَا لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيلَاتِ انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ وَضْعَ مَالِهِ فِي طَرِيقٍ لِيَكُونَ مِلْكًا لِلرَّافِعِ إذْنٌ بِالْقَبْضِ دَلَالَةً فَيَجُوزُ فَلَا مُخَالَفَةَ أَصْلًا تَدَبَّرْ.

(وَتَنْعَقِدُ) الْهِبَةُ (بِوَهَبْتُ) أَيْ بِقَوْلِهِ: وَهَبْت؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ.

وَفِي الْفَرَائِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>