للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا، وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَمَالَ إلَى أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْعَقِدُ بِوَهَبْتُ إلَى آخِرِهِ: وَمَالَ إلَى أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ فَقَطْ كَمَا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فَعَلَ كَذَلِكَ لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ أَوَّلًا الرُّكْنَ فَقَالَ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَلْفَاظَ الْإِيجَابِ فَقَالَ: وَتَنْعَقِدُ بِوَهَبْتُ إلَى آخِرِهِ فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ تَدَبَّرْ (وَنَحَلْت) لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ (وَأَعْطَيْت وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ) ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا نُسِبَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ يَكُونُ هِبَةً كَمَا مَرَّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ: هَبْنِي هَذَا الشَّيْءَ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ فَقَالَ: وَهَبْت وَسَلَّمَ إلَيْهِ جَازَ، وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَضْرِبُونَ الطُّنْبُورَ فَقَالَ لَهُمْ: هَبُوا هَذَا مِنِّي فَدَفَعُوهُ إلَيْهِ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ فَكَسَرَهُ فَقَالُوا: يَا شَيْخُ خَدَعْتَنَا انْتَهَى. وَشَمَلَ مَا لَوْ قَالَ لِقَوْمٍ: قَدْ وَهَبْت جَارِيَتِي هَذِهِ لِأَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ شَاءَ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ مَلَكَهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا بِقَوْلِهِ: أَذِنْت لِلنَّاسِ جَمِيعًا فِي تَمْرِ نَخْلِي مَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَبَلَغَ النَّاسَ فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا يَمْلِكُهُ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْمُنْتَقَى، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ، وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَقَالَةُ الْوَاهِبِ لَا يَكُونُ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى لَكِنْ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ مَالَهُ فِي طَرِيقٍ لِيَكُونَ مِلْكًا لِلرَّافِعِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ سَوَاءٌ بَلَغَتْهُ الْمَقَالَةُ أَوْ لَا تَأَمَّلْ (وَكَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ) ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا، وَقَالَ: أَلْبِسْ نَفْسَك فَفَعَلَ يَكُونُ هِبَةً، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ فَقَالَ: أَنْفِقْهَا يَكُونُ قَرْضًا (وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهُوَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ» وَلِأَنَّ الْعُمْرَى تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ فَثَبَتَ الْهِبَةُ، وَيَبْطُلُ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ؛ وَلِذَا لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ صَرِيحًا يَبْطُلُ شَرْطُهُ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَك أَوْ حَيَاتَهُ، أَوْ أَعْمَرْتُكَ دَارِي هَذِهِ حَيَاتَك أَوْ أَعْطَيْتهَا حَيَاتَك، أَوْ وَهَبْت هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَك، فَإِذَا مِتَّ فَهُوَ لِي، وَإِذَا مِتُّ فَهُوَ لِوَرَثَتِي فَهَذَا تَمْلِيكٌ صَحِيحٌ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ (وَجَعَلْته لَك عُمْرِي) ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلتَّمْلِيكِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: مَلَّكْتُك هَذَا الشَّيْءَ إلَى آخِرِ عُمْرِي (وَدَارِي لَك) حَالَ كَوْنِهَا (هِبَةً تَسْكُنُهَا) ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي لَك لِلتَّمْلِيكِ ظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ: تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ: هَذَا الطَّعَامُ لَك تَأْكُلُهُ (وَبِنِيَّتِهَا) أَيْ بِنِيَّةِ الْهِبَةِ (فِي حَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْهِبَةِ مَجَازًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ النِّيَّةُ كَمَا مَرَّ فِي الْعَارِيَّةِ.

(وَإِنْ قَالَ: دَارِي لَك) حَالَةَ كَوْنِهَا (هِبَةً سُكْنَى) لِمَا مَرَّ أَنَّ سُكْنَى تَمْيِيزٌ فَتَصِيرُ تَفْسِيرًا لِمَا قَالَهُ لِكَوْنِهِ مُحْكَمًا فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَتَكُونُ عَارِيَّةً (أَوْ) دَارِي لَك حَالَ كَوْنِهَا (سُكْنَى هِبَةً) ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَمْلِيكَ مَنْفَعَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>