للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْهُومٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ.

(وَلَا) يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (عَلَى الطَّاعَاتِ) .

وَفِي شَرْحِ الْوَافِي، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا بَاطِلٌ (كَالْأَذَانِ، وَالْحَجِّ، وَالْإِمَامَةِ) ، وَالتَّذْكِيرِ، وَالتَّدْرِيسِ، وَالْغَزْوِ (وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ وَقِرَاءَتِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَقَعُ عَلَى الْعَامِلِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ» أَيْ عَلِّمُوا وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَالْفِقْهِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ، وَالنُّجُومِ، وَالطِّبِّ، وَالتَّعْبِيرِ، وَالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ عَلَى الْإِمَامَةِ إذَا جَمَعَهَا مَعَ الْأَذَانِ (أَوْ الْمَعَاصِي) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمَعَاصِي (كَالْغِنَاءِ، وَالنَّوْحِ، وَالْمَلَاهِي) ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ.

وَفِي الْمُحِيطِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ.

وَفِي شَرْحِ الْكَافِي لَا يَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالطَّبْلِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَلَا عَلَى قِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ.

وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ أَوْ الْقَافِلَةِ أَوْ الْعُرْسِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِيهَا (وَيُفْتَى الْيَوْمَ بِالْجَوَازِ) أَيْ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ (عَلَى الْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ) ، وَالْأَذَانِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخِي اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: بَنَى أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنْ قِلَّةِ الْحُفَّاظِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ عَطِيَّاتٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَافْتِقَادٌ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مُجَازَاةِ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مُرُوءَةٍ يُعِينُونَهُمْ عَلَى مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَكَانُوا يُفْتُونَ بِوُجُوبِ التَّعْلِيمِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَتَحْرِيضًا عَلَى التَّعْلِيمِ حَتَّى تَنْهَضُوا لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَكْثُرَ حُفَّاظُ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَانْقَطَعَتْ الْعَطِيَّاتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ وَاشْتَغَلَ الْحُفَّاظُ بِمَعَاشِهِمْ وَقَلَّمَا يُعَلِّمُونَ الْحِسْبَةَ وَلَا يَتَفَرَّغُونَ لَهُ أَيْضًا، فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا، وَقَالُوا: الْأَحْكَامُ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ أَلَا يُرَى أَنَّ «النِّسَاءَ كُنَّ تَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَزَمَانِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى مَنَعَهُنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ» وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>