فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حَتَّى قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ بِأَنْ يَكُونَ بِفَوْتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَى مُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ بِأَنْ يَكُونَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَى غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَهُوَ فِعْلٌ يُوقِعُهُ بِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ رِضًى أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ فَإِنَّ فِيهِ جَعْلَ قِسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الرِّضَى فَقَطْ وَالْقِسْمَ الثَّانِيَ الرِّضَى مَعَ الِاخْتِيَارِ.
وَقَالَ فِي الْإِصْلَاحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ فَمَنْ وَهَمَ أَنَّ فِيهِ جَعْلَ قَسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ فَقَدْ وَهَمَ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعَ الرِّضَى وَهَذَا صَحِيحٌ قِيَاسًا وَأَمَّا اسْتِحْسَانًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ هُدِّدَ بِحَبْسِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ وَلَا بِالْبَيْعِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ إكْرَاهًا اسْتِحْسَانًا فَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَنْفُذُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً (مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ الْإِكْرَاهِ بِقِسْمَيْهِ لِصَحِيحِ الِاخْتِيَارِ وَفَاسِدِهِ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَخَطَرٍ وَرُخْصَةٍ وَمَرَّةً يَأْثَمُ وَمَرَّةً يُثَابُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ الْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ (قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا) هَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَغَلِّبٍ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا إكْرَاهَ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ بِلَا مَنَعَةٍ وَالْمَنَعَةُ لِلسُّلْطَانِ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُدْرَةِ مَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ وَزَمَانَهُمَا كَانَ فِيهِ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْ كُلِّ مُتَغَلِّبٍ لِفَسَادِ زَمَانِهِمَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَسَوْقُهُ لِلَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ مِنْ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ مَعَ تَهْدِيدٍ.
(وَ) الثَّانِي (خَوْفُ الْمُكْرَهِ) بِالْفَتْحِ (وُقُوعَ ذَلِكَ) أَيْ مَا هَدَّدَ بِهِ الْحَامِلُ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُوقِعُهُ وَالْحَامِلُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقِيقِيًّا كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا أَوْ حُكْمِيًّا كَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَرَسُولُهُ حَاضِرٌ خَافَ الْفَاعِلُ مِنْهُ خَوْفَ الْمُرْسَلِ وَأَمَّا إذَا غَابَ الرَّسُولُ أَيْضًا فَلَا إكْرَاهَ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) الثَّالِثُ (كَوْنُهُ) أَيْ كَوْنُ الْمُكْرَهِ (مُمْتَنِعًا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ (عَنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ) .
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إذْ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا لِفَوَاتِ رُكْنِهِ وَهُوَ فَوْتُ الرِّضَى كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُسْتَدْرِكٌ (لِحَقِّهِ) أَيْ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَبَيْعِ مَالِهِ أَوْ إتْلَافِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ أَوْ أَجْرٍ أُخْرَوِيٍّ (أَوْ لِحَقِّ) شَخْصٍ (آخَرَ) كَإِتْلَافِ مَالِ آخَرَ (أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لِهَذِهِ الْحُقُوقِ يُعْدِمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute