مُخَاطَبٌ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَإِبْطَالُ قُدْرَتِهِ يُؤَدِّي إلَى إهْدَارِ آدَمِيَّتِهِ وَهَذَا أَضَرُّ مِنْ ضَرَرِ الْإِتْلَافِ (وَمَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ) وَهُوَ لَا يُنْفِقُ مَالَهُ فِيمَا يَحِلُّ وَلَا يُمْسِكُ عَمَّا يَحْرُمُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالتَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ (لَا يُسْلَمُ إلَيْهِ مَالُهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الصِّبَا فَلَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا (مَا لَمْ يَبْلُغْ سِنُّهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ) سَنَةً (فَإِذَا بَلَغَهَا دُفِعَ إلَيْهِ) مَالُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا السِّنَّ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الرُّشْدُ إلَّا نَادِرًا وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ لِلْغَلَبَةِ (وَإِنْ تَصَرَّفَ) السَّفِيهُ (فِيهِ) أَيْ فِي مَالِهِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (نَفَذَ) تَصَرُّفُهُ لِعَدَمِ الْحَجْرِ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ مَا لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ تَصَرُّفُ السَّفِيهِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَالِهِ بِسَبَبِ سَفَهٍ فِي تَصَرُّفَاتٍ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَا عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَةِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إذْ لَا يَجْرِي الْحَجْرُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥] إلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] إذْ الْأَمْرُ بِالدَّفْعِ عِنْدَ إينَاسِ الرُّشْدِ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالرُّشْدِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ هِيَ السَّفَهُ فَبَقِيَ الْمَنْعُ مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ بَاقِيَةً فَلَا يَكُونُ لِلزَّمَانِ دَخْلٌ هُنَا وَفِي التَّنْوِيرِ نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ بَاعَ) الْمَحْجُورُ (لَا يَنْفُذُ) بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عِنْدَهُمَا وَفَائِدَةُ الْحَجْرِ عَدَمُ النَّفَاذِ.
(وَإِنْ) كَانَ (فِيهِ) أَيْ فِي بَيْعِهِ (مَصْلَحَةٌ) بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ كَانَ رَابِحًا وَكَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا فِي بَدْءٍ (أَجَازَهُ الْحَاكِمُ) وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ خَاسِرًا أَوْ لَمْ يَبْقَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَإِنْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ) عَبْدًا (نَفَذَ) عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَالْعِتْقُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَنْفُذُ مِنْ السَّفِيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ إلَّا الطَّلَاقُ كَالْمَرْقُوقِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ (وَسَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ) أَيْ إذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي رَدِّ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute