فَأَجَازَ مَا صَنَعَ جَازَ إطْلَاقُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ كَانَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الثَّانِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَضَى وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَإِذَا أَطْلَقَهُ الثَّانِي صَحَّ إطْلَاقُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الثَّالِثِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُنَفِّذَ قَضَاءَ الْأَوَّلِ بِالْحَجْرِ وَكَذَا لَا يُحْجَرُ مَنْ لَهُ غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ مَالَهُ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ فَيَغْبِنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ الْقَاضِي عَنْ التَّصَرُّفِ شَفَقَةً لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَتْنِ بَلْ أَتَى بِصُورَةِ الِاتِّفَاقِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي حُكْمِ السَّفِيهِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي إتْلَافِ الْمَالِ أَوْ لِعَدَمِ اعْتِنَاءِ قَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَتَبَّعْ.
(وَلَا) يُحْجَرُ (عَلَى مَدْيُونٍ) وَإِنْ طَلَبَ الْحَجْرَ غُرَمَاؤُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ يُبْطِلُ أَهْلِيَّتَهُ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَهُوَ شَنِيعٌ لَا يُرْتَكَبُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ (وَلَا بِبَيْعِ الْقَاضِي مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْمَدْيُونِ (فِيهِ) أَيْ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ فِيهِ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي بِالنَّصِّ فَيَكُونُ بَاطِلًا (بَلْ يَحْبِسُهُ) أَيْ الْقَاضِي لِبَيْعِ مَالِهِ (أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ) أَيْ الْمَالَ (هُوَ) أَيْ الْمَدْيُونُ (بِنَفْسِهِ) فَيَكُونَ الْجِنْسُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا لِأَجْلِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِالْبَيْعِ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُتَعَيَّنٍ بَلْ يَكُونُ بِالِاسْتِيهَابِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ النَّاسِ إلَّا أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْقَضَاءِ بِبَيْعِ مَالِهِ الْمَوْجُودِ أَظْهَرُ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَغَيْرِهِ وَسَبَبُ الْحَبْسِ الْمُمَاطَلَةُ وَالظُّلْمُ بِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ الْوَاجِبِ وَامْتِنَاعُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ) وَالْأَوْلَى بِالْوَاوِ (مَالُهُ) أَيْ مَالُ الْمَدْيُونِ (مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ) كَالدَّرَاهِمِ (أَدَّاهُ) أَيْ الدَّيْنَ (الْحَاكِمُ مِنْهُ) مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ الْأَخْذَ بِلَا رِضَى الْمَدْيُونِ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ فَالْقَاضِي إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا يَلْزَمُهُ حَجْرُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْقَاضِي إعَانَةٌ (وَيَبِيعُ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ اسْتِحْسَانًا) بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَبِيعُ الدَّرَاهِمَ لِلدَّنَانِيرِ وَلَا الدَّنَانِيرَ لِلدَّرَاهِمِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الصُّورَةِ وَلَا يُؤْخَذُ رَبُّ الدَّيْنِ جَبْرًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الِاتِّحَادُ فِي الثَّمَنِيَّةِ وَلِذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ (وَعِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يُحْجَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَدْيُونِ (إنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ) الْحَجْرَ عَلَيْهِ (وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ) الَّذِي يَضُرُّ بِالْغُرَمَاءِ.
(وَ) يُمْنَعُ مِنْ (الْإِقْرَارِ) أَيْ إقْرَارِ الدَّيْنِ بِغَيْرِهِمْ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ إنَّمَا جَوَّزَاهُ نَظَرًا لَهُ وَفِي هَذَا الْحَجْرِ نَظَرٌ لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَسَاهُ يُلْجِئُ مَالَهُ فَيَفُوتُ حَقُّهُمْ وَمَعْنَى قَوْلِهِمَا وَمَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَمَّا الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْمَنْعُ لِحَقِّهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْمَدْيُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute