مِنْ التَّعْظِيمِ لَهَا وَالتَّشَبُّهِ بِعِبَادَتِهَا فَلِهَذَا قَالُوا: وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي ثُمَّ فَوْقَ رَأْسِهِ ثُمَّ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ خَلْفَهُ، فَلَا يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لِعَدَمِ التَّعْظِيمِ، تَأَمَّلْ (إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) جِدًّا بِحَيْثُ (لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ) إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ تَدْقِيقٍ، (أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) مِثْلُ الْأَشْجَارِ وَالْأَزْهَارِ (أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ) أَيْ مَمْحُوَّةً فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ لَا تُعْبَدُ فَلَا تُكْرَهُ، وَلَوْ قُطِعَ يَدَاهَا أَوْ رِجْلَاهَا لَا تُرْفَعُ الْكَرَاهَةُ وَكَذَا لَوْ أُزِيلَ الْحَاجِبَانِ وَالْعَيْنَانِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ تُعَادُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ.
وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إذَا دَخَلَ فِيهِ نُقْصَانٌ أَوْ كَرَاهَةٌ فَالْأَوْلَى الْإِعَادَةُ، وَقَالَ الْوَبَرِيُّ إذَا لَمْ يَتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ التَّرْجُمَانِيُّ: إنَّ الْإِعَادَةَ أَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ الْكَرَاهَةَ إذَا كَانَتْ فِي رُكْنٍ فَالْإِعَادَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَفِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ وَاجِبَةٌ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا.
(لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ (قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ جِنِّيَّةً وَهِيَ بَيْضَاءُ لَهَا ضَفِيرَتَانِ تَمْشِي مُسْتَوِيَةً أَوْ غَيْرَ جِنِّيَّةٍ وَهِيَ سَوْدَاءُ تَمْشِي مُلْتَوِيَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ أَيْ الْعَقْرَبَ وَالْحَيَّةَ» وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ قَتْلِ الْجِنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ: لَا يَحِلُّ قَتْلُ الْجِنِّيَّةِ كَمَا فِي غَيْرِهَا إلَّا إذَا قِيلَ: خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَبَتْ فَحِينَئِذٍ تُقْتَلُ، وَالطَّحَاوِيُّ يَقُولُ: إنَّهُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَاهَدَ الْجِنَّ بِأَنْ لَا يَظْهَرُوا لِأُمَّتِهِ فِي صُورَةِ الْجِنِّ وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ» فَإِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ يُبَاحُ قَتْلُهَا، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ أَنْ يَحْتَاطَ فِي قَتْلِهَا حَتَّى لَا يَقْتُلَ جِنِّيًّا فَإِنَّهُمْ يُؤْذُونَهُ إيذَاءً كَثِيرًا، وَإِنَّ وَاحِدًا مِنْ إخْوَانِي أَكْبَرَ سِنًّا مِنِّي قَتَلَ حَيَّةً كَبِيرَةً بِسَيْفٍ فِي دَارٍ لَنَا فَضَرَبَهُ الْجِنُّ حَتَّى جَعَلُوهُ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ رِجْلَاهُ قَرِيبًا مِنْ الشَّهْرِ، ثُمَّ عَالَجْنَاهُ بِإِرْضَاءِ الْجِنِّ حَتَّى تَرَكُوهُ فَزَالَ مَا بِهِ وَهَذَا مِمَّا عَايَنْتُهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا خَشِيَ أَنْ تُؤْذِيَهُ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ قَتْلُهَا.
(وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ سَاجِدًا فِي طَاقِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقِدَمِ.
(وَالصَّلَاةُ) مُتَوَجِّهًا (إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) هَذَا رَدٌّ لِمَنْ قَالَ: كُرِهَ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ أَنْ يُصَلِّيَ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يَتَحَدَّثُونَ» وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا إذَا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ عَلَى وَجْهٍ يُخَافُ وُقُوعُ الْغَلَطِ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْأَصْحَابُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ وَبَعْضُهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَبَعْضُهُمْ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي الْبَيَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالظَّهْرِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْوَجْهِ مَكْرُوهٌ.
(وَإِلَى مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ مُعَلَّقٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَمَامُهُ مُصْحَفٌ أَوْ سَيْفٌ سَوَاءٌ كَانَا مُعَلَّقَيْنِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ، وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِهَا هَذَا رَدٌّ لِمَنْ قَالَ: كُرِهَ ذَلِكَ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ السَّيْفَ آيَةُ الْحَرْبِ وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute