بَأْسٌ شَدِيدٌ فَلَا يَلِيقُ تَقْدِيمُهُ فِي مَقَامِ الِابْتِهَالِ وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ مُعَلَّقًا تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُمْ إيَّاهُ لِلْقِرَاءَةِ مِنْهُ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا بَلْ مُفْسِدٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُعَلَّقِ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْخِلَافِ لَا لِمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَذِكْرُ التَّعْلِيقِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، تَدَبَّرْ (أَوْ إلَى شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ) إذْ لَا يُعْبَدَانِ لِأَنَّ الْمَجُوسَ يَعْبُدُونَ الْجَمْرَ لَا اللَّهَبَ وَقِيلَ: يُكْرَهُ.
(وَعَلَى بِسَاطٍ ذِي تَصَاوِيرَ إنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا) إذْ الْأَدَاءُ عَلَيْهِ إهَانَةٌ وَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ لَكِنْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبِسَاطُ الْمُصَوَّرَةُ فِي الْبَيْتِ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْقَدَمِ تَنَاقُضٌ فَلْيَتَأَمَّلْ.
(وَكُرِهَ الْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي) أَيْ التَّغَوُّطُ (وَالْوَطْءُ فَوْقَ مَسْجِدٍ) لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لِمَنْ تَحْتَهُ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ مَعَ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ اسْتِطْرَادًا.
(وَغَلْقُ بَابِهِ) أَيْ بَابِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْمَنْعِ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ حَرَامٌ وَالْغَلْقُ بِالسُّكُونِ اسْمٌ مِنْ الْإِغْلَاقِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَبِضَمَّتَيْنِ بِمَعْنَى الْمُغْلَقِ وَأَمَّا بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى مَا يُغْلَقُ بِهِ الْبَابُ وَيُفْتَحُ بِالْمَفَاتِيحِ فَمَجَازٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى مَتَاعِهِ) .
وَفِي الْعَيْنِيِّ وَلَا يُكْرَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِكَثْرَةِ اللُّصُوصِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَالْحُكْمُ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَقِيلَ إذَا تَقَارَبَ الْوَقْتَانِ كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَا يُغْلَقُ وَإِذَا تَبَاعَدَ كَالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ يُغْلَقُ.
(وَيَجُوزُ نَقْشُهُ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ) وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّفَ لِدَقَائِقِ النَّقْشِ فِي الْمِحْرَابِ وَالْجِدَارِ الَّذِي قُدَّامَ الْمُصَلِّي.
وَفِي الْفَتْحِ دَقَائِقُ النُّقُوشِ وَنَحْوُهَا مَكْرُوهٌ خُصُوصًا فِي الْمِحْرَابِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُثَابُ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْجُوَ رَأْسًا بِرَأْسٍ كَمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ» وَقِيلَ: يُثَابُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ طَيِّبِ مَالِهِ يُلَوِّثُ بَيْتَهُ تَعَالَى هَذَا إذَا فَعَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا لَوْ صَرَفَ مَا يَفْضُلُ مِنْ الْعِمَارَةِ إلَى النَّقْشِ يَجُوزُ لِأَنَّ الظَّلَمَةَ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَلَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ لِمَا يَخَافُ مِنْ سُقُوطِ الْكِتَابَةِ وَأَنْ تُوطَأَ.
(وَ) يَجُوزُ (الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) وَهُوَ مَكَانٌ فِي الْبَيْتِ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ إلَّا لِلنِّسَاءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَوْقَ هَاهُنَا اتِّفَاقِيٌّ فَلَا يُكْرَهُ فِي الْعَرْصَةِ وَالْفَنَاءِ وَالْبِنَاءِ لَهُ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَالصَّحِيحِ أَنَّ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً.