فِي أَطْرَافِهَا أَوْ بِإِحْرَاقِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ يَمْنَعُ الْغَيْرَ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ تَحْجِيرًا وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَبَقِيَتْ مُبَاحَةً عَلَى حَالِهَا لَكِنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ وَهَذَا مِنْ طَرِيقِ الدِّيَانَةِ فَأَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ الْإِحْيَاءِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ وَإِنْ حَفَرَ بِهَا بِئْرًا فَهُوَ تَحْجِيرٌ وَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ وَكَذَا إذَا جَعَلَ الشَّوْكَ حَوْلَهَا وَلَوْ كَرَبَهَا أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ أَوْ شَقَّ لَهَا نَهْرًا فَهُوَ إحْيَاءٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا إنْ) حَفَرَهَا (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ بِالْإِذْنِ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَا.
(وَكَذَا) لَهُ حَرِيمُهَا (إنْ) حَفَرَهَا (بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إحْيَاءٌ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ بِالْإِذْنِ أَوْ بِغَيْرِ الْإِذْنِ (وَحَرِيمُ) بِئْرِ (الْعَطَنِ) الَّتِي يُنْزَحُ الْمَاءُ مِنْهَا بِالْيَدِ وَيُنَاخُ الْإِبِلُ حَوْلَهَا لِلشُّرْبِ (أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْحَافِرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبِئْرِهِ إلَّا بِحَرِيمِهَا (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ الْأَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَجْمَعُ الْجَوَانِبَ الْأَرْبَعَةَ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْمَتْنِ لِأَنَّ فِي الْأَرَاضِي الرَّخْوَةِ يَتَحَوَّلُ الْمَاءُ إلَى مَا يُحْفَرُ دُونَهَا فَيُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ حَقِّهِ.
(وَكَذَا) أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي الصَّحِيحِ (حَرِيمُ) الْبِئْرِ (النَّاضِحِ) الَّتِي نَزَحَ الْمَاءَ بِالنَّاضِحِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لِلنَّاضِحِ سِتُّونَ) أَيْ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرٍ نَاضِحٍ سِتُّونَ ذِرَاعًا» وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلَمَّا تَعَارَضَ الْخَبَرَانِ أَخَذْنَا بِالْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ عُمْقُ الْمَاءِ زَائِدًا عَلَى أَرْبَعِينَ يُزَادُ عَلَيْهَا (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَكَان يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَنْزِلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالدَّوَابُّ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْمَرَاتِعِ فَقُدِّرَ بِالزِّيَادَةِ قِيلَ لَوْ كَانَ عَادِيَّةٌ فَحَرِيمُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي الْحَرِيمِ مُطْلَقًا.
(وَيُمْنَعُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ حَافِرِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ (مِنْ الْحَفْرِ فِي حَرِيمِهِ) لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ مَلَكَ حَرِيمَ ذَلِكَ الْمَحْفُورِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ (لَا) يُمْنَعُ مِنْ الْحَفْرِ (فِيمَا وَرَاءَهُ) أَيْ فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَا وَرَاءَهُ (فَإِنْ حَفَرَ أَحَدٌ) بِئْرًا (فِيهِ) أَيْ فِي دَاخِلِ الْحَرِيمِ (ضَمَّنَ) بِالتَّشْدِيدِ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (النُّقْصَانَ) لِتَعُدِّي الثَّانِي بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ أَنْ يُقَوِّمَ الْأُولَى قَبْلَ حَفْرِ الثَّانِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute