لِأَنَّ التَّلَهِّي حَرَامٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَامِ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا.
(وَخَلُّ الْخَمْرِ حَلَالٌ) لِزَوَالِ اشْتِدَادِهَا الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْحُرْمَةِ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (خُلِّلَتْ بِعِلَاجٍ) بِإِلْقَاءِ مِلْحٍ أَوْ خَلٍّ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ» وَلِأَنَّ التَّخْلِيلَ إصْلَاحٌ كَدَبْغِ الْجِلْدِ بِإِزَالَةِ صِفَةِ الْإِسْكَارِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا وَلَا يَحِلُّ الْخَلُّ الْحَاصِلُ بِهِ إنْ كَانَ التَّخْلِيلُ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ فَلَهُ فِي الْخَلِّ الْحَاصِلِ بِهِ قَوْلَانِ ثُمَّ إذَا صَارَتْ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ وَأَمَّا أَعْلَاهُ وَهُوَ الَّذِي انْتَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ فَقَدْ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ وَلَوْ غُسِلَ بِالْخَلِّ فَخُلِّلَ مِنْ سَاعَتِهِ طَهُرَ لِلِاسْتِحَالَةِ.
(وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِبَاذِ) أَيْ اتِّخَاذِ النَّبِيذِ (فِي الدُّبَّاءِ) وَهُوَ الْقَرْعُ (وَالْحَنْتَمِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْجَرَّةُ الْخَضْرَاءُ وَقِيلَ هُوَ الْجَرَّةُ الْحَمْرَاءُ يُحْمَلُ فِيهَا الْخَمْرُ وَيُؤَدَّى بِهَا مِنْ نَوَاحِي الْيَمَنِ (وَالْمُزَفَّتِ) هُوَ الْوِعَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ (وَالنَّقِيرِ) هُوَ الْخَشَبُ الْمَنْقُورُ لِأَنَّ هَذِهِ الظُّرُوفَ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالْخَمْرِ فَلَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ حُرِّمَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الظُّرُوفِ تَشْدِيدًا فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِيَتْرُكَهُ النَّاسُ فَلَمَّا مَضَتْ الْأَيَّامُ أُبِيحَ اسْتِعْمَالُهَا لِاسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ بِالتَّمَامِ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا الْخَمْرُ ثُمَّ انْتَبَذَ فِيهَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ وَإِنْ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِتَشَرُّبِهِ الْخَمْرَ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُمْلَأُ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى إذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا صَارَتْ خَلًّا يَطْهُرُ الظَّرْفُ كُلُّهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَدْرِ الشَّهِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ بُخَارَ الْخَلِّ يَرْتَفِعُ إلَى أَعْلَاهُ فَيَطْهُرُ كُلُّهُ.
(وَيُكْرَهُ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ) وَهُوَ مَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِهِ (وَالِامْتِشَاطُ بِهِ) أَيْ بِدُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا خَصَّ الِامْتِشَاطَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ حَرَامٌ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْحُرْمَةُ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلِذَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَحُرِّمَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ بِلَا سُكْرٍ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ لِلزَّجْرِ عَنْ الْمَيْلِ وَالطَّبْعُ لَا يَمِيلُ إلَى الدُّرْدِيِّ فَقَلِيلُهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يُحَدُّ لِأَنَّهُ شُرْبُ جُزْءٍ مِنْ الْخَمْرِ.
(وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَسِ حَرَامٌ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ (وَلَا) يَجُوزُ (أَنْ يُدَاوَى بِهَا) أَيْ بِالْخَمْرِ (جُرْحٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يُدَاوِيَ بِهَا (دَبَرَ دَابَّةٍ) لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ وَالدَّبَرُ بِالتَّحْرِيكِ قُرْحَةُ دَابَّةٍ (وَلَا تُسْقَى آدَمِيًّا وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (صَبِيًّا لِلتَّدَاوِي) كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ (وَلَا تُسْقَى الدَّوَابَّ) مُطْلَقًا (وَقِيلَ) إنْ أُرِيدَ سَقْيُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute