للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْنِي دِيَةَ الْقَتْلِ لِأَنَّ دِيَةَ الْقَطْعِ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ عَدَمُ السِّرَايَةِ (وَفِي الْعَمْدَيْنِ) اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ (يُؤْخَذُ بِهِمَا) فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) لَا يُقْطَعُ بَلْ (يُقْتَلُ فَقَطْ) فَيَدْخُلُ جَزَاءُ الْقَطْعِ فِي جَزَاءِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ الْقَوَدُ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ.

(وَلَوْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشْرَةٍ وَجَبَتْ دِيَةٌ) وَاحِدَةٌ (فَقَطْ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ مِنْهَا لَا تَبْقَى مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الْأَرْشِ وَإِنْ بَقِيَتْ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ لِلضَّارِبِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْعَشَرَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

(وَإِنْ جَرَحَتْهُ) أَيْ جَرَحَتْ الْمَضْرُوبَةَ مِائَةَ سَوْطٍ (وَبَقِيَ) لَهَا (الْأَثَرُ) أَيْ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ بَعْدَ الْبُرْءِ (وَلَمْ يَمُتْ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِبَقَاءِ الْأَثَرِ وَالْأَرْشِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَثَرِ فِي النَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عِنْدَهُ.

(وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَعَفَا) الْمَقْطُوعُ (عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (فَعَلَى قَاطِعِهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ فَلَمَّا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْقَتْلُ لَا الْقَطْعُ فَتَجِبُ ضَمَانُ الْقَتْلِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ هَذَا فِي الْقِيَاسِ إلَّا أَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ مُورِثَةٌ لِلشُّبْهَةِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ عَفْوُ الْمَقْطُوعِ (عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ) فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْقَاطِعِ شَيْءٌ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ مُوجِبِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ هُوَ الْقَطْعُ إنْ لَمْ يَسْرِ أَوْ الْقَتْلُ إنْ سَرَى.

(وَإِنْ عَفَا) الْمَقْطُوعُ (عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (أَوْ) عَفَا (عَنْ الْجِنَايَةِ) عَمْدًا (فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ إجْمَاعًا) لِكَوْنِ الْجِنَايَةِ جِنْسًا مُتَنَاوِلًا لِلسَّارِيَةِ وَالْمُقْتَصِرَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالْخَطَأُ مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ الْمَالِ يَعْنِي إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَعَفَا عَنْهُ كَانَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ قَوَدٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَعَفَا عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّ الدِّيَةَ مَالٌ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْعَفْوُ وَصِيَّةٌ فَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ (وَالشَّجُّ كَالْقَطْعِ) أَيْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ فَإِذَا عَفَا الْمَشْجُوجُ عَنْ الشَّجَّةِ فَمَاتَ مِنْهَا يَضْمَنُ شَاجُّهُ أَرْشَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَفْوَ مُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فَلَا يَضْمَنُ الْقَتْلَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ عَفْوٌ عَنْ مُوجَبِهِ هُوَ الْأَرْشُ إنْ لَمْ يَسْرِ أَوْ الْقَتْلُ إنْ سَرَى وَلَوْ عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>