فَلَمْ تُقْبَلْ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطٌ لِلْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ كَذِبَ أَحَدِهِمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا ذُكِرَ وَإِذَا بَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَالْمُقَيَّدَ يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَاخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا كَالصُّورَةِ الْأُولَى فَلَا تُقْبَلُ وَأَمَّا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ مُعَايَنَةً وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ كَانَ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا فِعْلٌ وَالْآخَرَ قَوْلٌ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَكَذَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ شَهِدَا كَذَلِكَ فِي الْمَكَانِ لِتَيَقُّنِ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْقَبُولِ وَلَوْ كَمَّلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قُبِلَ الْكَامِلُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَإِنْ شَهِدَا بِالْقَتْلِ وَجَهِلَا الْآلَةَ) بِأَنْ قَالَا: لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ (لَزِمَ الدِّيَةُ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجُهِلَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبِهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إجْمَالِهِمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَتْرًا عَلَيْهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِغٌ شَرْعًا لِأَنَّ الشَّرْعَ أَجَازَ الْكَذِبَ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ «لَيْسَ بِكَذَّابٍ مِنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَالَ خَيْرًا» فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ بِالشَّكِّ.
(وَلَوْ أَقَرَّ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ رَجُلَيْنِ بِقَتْلِ زَيْدٍ وَقَالَ وَلِيُّهُ: قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (قَتْلُهُمَا) جَمِيعًا لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْوَلِيِّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ بِالْقَتْلِ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ التَّفْسِيقُ لِأَنَّ فِسْقَ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِأَحَدِهِمَا: أَنْتَ قَتَلْتَهُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الِانْفِرَادَ بِالْقَتْلِ فَتَصْدِيقُهُ يُوجِبُ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: قَتَلْتَهُ وَحْدَك وَلَمْ يُشَارِكَ فِيهِ أَحَدٌ كَمَا تَقُولُ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: قَتَلْتُمَاهُ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ كِلَاهُمَا كَانَ لِلْوَلِيِّ قَتْلُ الْمُقِرِّ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِأَحَدِ الْمُقِرِّينَ: صَدَقْت أَنْتَ قَتَلْتَهُ وَحْدَك كَانَ لَهُ قَتْلُهُ كَمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِهِ خَطَأً وَحُكِمَ بِالدِّيَةِ وَجَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا ضَمَّنَتْ الْعَاقِلَةُ الْوَلِيَّ أَوْ الشُّهُودَ وَرَجَعَ الشُّهُودُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالْعَمْدُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي الرُّجُوعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute