للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِلْكَ الشَّهَادَةُ يَعْنِي إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمَا عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ وَزَعْمُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا) أَيْ الْوَلِيَّيْنِ (الْقَاتِلُ فَقَطْ) وَكَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا) لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَلَزِمَ وَادَّعَى بُطْلَانَ حَقِّ الشَّرِيكِ فَلَمْ يُصَدَّقْ فَتَحَوَّلَ مَالًا وَغَرِمَ الْقَاتِلُ الدِّيَةَ أَثْلَاثًا وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ.

(وَإِنْ كَذَّبَهُمَا) الْقَاتِلُ بَعْدَ أَنْ كَذَّبَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ (فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) أَيْ لِلْوَلِيَّيْنِ الشَّاهِدَيْنِ (وَلِأَخِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ أَقَرَّا بُطْلَانَ حَقِّهِمَا فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَادَّعَيَا انْقِلَابَهُ مَالًا فَلَا تُصَدَّقُ دَعْوَاهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا عَلَيْهِ الْعَفْوَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ.

(وَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَخُوهُمَا فَقَطْ) دُونَ الْقَاتِلِ (غَرِمَ الْقَاتِلُ لَهُ) أَيْ لِلْأَخِ (ثُلُثَ الدِّيَةِ) يَعْنِي يَغْرَمُ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَهُوَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ (ثُمَّ يَأْخُذَانِهِ) أَيْ يَأْخُذُ الْمُخْبِرَانِ الثُّلُثَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّرِيكِ الْمُصَدَّقِ لِأَنَّ زَعْمَ الشَّرِيكِ أَنَّهُ عَفَا بِتَصْدِيقِ الْمُخْبِرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَهُمَا عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ لِي وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْقَاتِلَ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ لَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ لِلشَّاهِدَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا إذَا عَفَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ فَجَعَلَ الْوَاجِبَ لِلشَّاهِدَيْنِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ كَذَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي زَمَانِهِ) أَيْ زَمَانِ الْقَتْلِ (أَوْ مَكَانِهِ أَوْ) فِي (آلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ (أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: ضَرَبَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ بَطَلَتْ) شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي زَمَانٍ آخَرَ وَمَكَانٍ آخَرَ وَكَذَا الْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرُ الْقَتْلِ بِآلَةٍ أُخْرَى وَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>