الْقَسَامَةِ.
(إذَا) (وُجِدَ مَيِّتٌ فِي مَحَلَّةٍ بِهِ) أَيْ بِالْمَيِّتِ (أَثَرُ الْقَتْلِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ خُرُوجِ دَمٍ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا فَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ (أَوْ أَثَرُ خَنْقٍ أَوْ) أَثَرُ (ضَرْبٍ وَلَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ) إذْ لَوْ عُلِمَ قَاتِلُهُ سَقَطَتْ الْقَسَامَةُ عَنْ أَهْلِهَا (فَادَّعَى وَلِيُّهُ قَتْلَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (عَلَى أَهْلِهَا) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كُلِّهِمْ (أَوْ بَعْضِهِمْ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (حُلِّفَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ جَوَابُ إذَا (خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيُّ) صِفَةُ خَمْسُونَ وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِيَارُ لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ سَوَاءٌ اخْتَارَ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ كَالْفَسَقَةِ أَوْ الشُّبَّانِ أَوْ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِتَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَرِزُهُ الْفَسَقَةُ، فَإِذَا عَلِمُوا الْقَاتِلَ فِيهِمْ أَظْهَرُوهُ وَلَمْ يَحْلِفُوا.
وَلَوْ اخْتَارَ فِي الْقَسَامَةِ أَعْمَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ فَيُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ بِخِلَافِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَهُمَا لَيْسَا بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ (بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) فَقَوْلُهُ بِاَللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِحُلِّفَ وَقَوْلُهُ مَا قَتَلْنَاهُ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمْعِ، وَإِلَّا فَعِنْدَ الْحَلِفِ يُحَلَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا وَلَا يُجْمَعُ مَعَهُ غَيْرُهُ فِي إسْنَادِ نَفْيِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا وَحْدَهُ وَيَنْوِيَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَا الْعِلْمُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْقَتْلِ وَحْدَهُ وَيَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ عَالِمًا بِهِ. فَإِنْ قِيلَ أَيُّ فَائِدَةٍ فِي قَوْلِهِ مَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؟ قُلْنَا فَائِدَتُهُ تَعْيِينُ مَحَلِّ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ تَعْيِينِهِ وَقَدْ يَظُنُّ غَيْرَ الْقَاتِلِ قَاتِلًا (ثُمَّ قُضِيَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى أَهْلِهَا) أَيْ الْمَحَلَّةِ (بِالدِّيَةِ) لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ إنَّ هَذَا قَتِيلٌ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَمَا الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْكُمْ فَكَتَبُوا إلَيْهِ إنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَقَعَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى أَمْرًا فَإِنْ كُنْت نَبِيًّا فَاسْأَلْ اللَّهَ مِثْلَ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَانِي أَنْ أَخْتَارَ مِنْكُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ قَالُوا لَقَدْ قَضَيْت فِينَا بِالنَّامُوسِ أَيْ بِالْوَحْيِ» (وَمَا تَمَّ خَلْقُهُ كَالْكَبِيرِ) أَيْ إذَا وُجِدَ سِقْطٌ أَوْ جَنِينٌ تَامُّ الْخَلْقِ بِهِ أَثَرٌ مِنْ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ كَالْكَبِيرِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مَيِّتًا ظَاهِرًا (وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ وَإِنْ كَانَ لَوْثٌ) أَيْ عَدَاوَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ حَلَفُوا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ دَعْوَى الْقَتْلِ أَوْ خَطَأً فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ يُقْضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute