وَقَدْ اسْتَوَوْا فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ لِلْخُطَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقَدُّمِ لَمَا شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي، وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَالْمَحَلَّةُ تُنْسَبُ إلَيْهِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ وَقَلَّمَا يُزَاحِمُهُ الْمُشْتَرِي فِي التَّدْبِيرِ وَالْقِيَامِ بِحِفْظِ الْمَحَلَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَسَامَةِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَقِيلَ إنَّمَا أَجَابَ الْإِمَامُ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَهُ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ أَنَّ أَصْحَابَ الْخُطَّةِ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ الْمُشْتَرُونَ فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ أَحَدٌ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) بِالِاتِّفَاقِ أَيْ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ أَحَدٌ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْمُشْتَرِينَ؛ لِأَنَّهُ زَالَ مَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ أَوْ يُزَاحِمُهُمْ فَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِمْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَصَلَتْ لَهُمْ الْوِلَايَةُ لِزَوَالِ مَنْ يُزَاحِمُهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيلَيْنِ خَفِيٌّ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.
(وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ وَلَمْ تُقْبَضْ) فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ (فَعَلَى الْبَائِعِ) أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ فَلِهَذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَلَهُ إنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ وَالْيَدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ فَكَانَ مُقَصِّرًا فِي الْحِفْظِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ (وَفِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ عَلَى) عَاقِلَةِ (ذِي الْيَدِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْمِلْكُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودَعِ وَمَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَرَارُ الْمِلْكِ، وَلَهُ أَنَّ الْحِفْظَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَيْدِي؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْيَدَ وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمِلْكَ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَرَارِ الْمِلْكِ.
(وَلَا تَدِي عَاقِلَةُ ذِي الْيَدِ إلَّا بِحُجَّةِ أَنَّهَا) أَيْ الدَّارَ (لَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَا تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَالْيَدُ، وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهَا تَحْتَمِلُهُ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ كَمَا عُرِفَ فِي الْحُصُولِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِيهَا هُوَ صَاحِبَ الدَّارِ أَوْ غَيْرَهُ.
(وَإِنْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ سِهَامًا مُخْتَلِفَةً) بِأَنْ كَانَ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ وَعُشْرُهَا لِآخَرَ وَلِآخَرَ مَا بَقِيَ (فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الرُّءُوسِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُضَافٌ إلَى وِلَايَةِ الْحِفْظِ وَعِنْدَ التَّقْصِيرِ فِيهِ ثَبَتَ أَحْكَامُ الْقَتْلِ بِدَلَالَةِ الْمِلْكِ، وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ ثَابِتَةٌ لَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَالدَّلَالَةُ وَاحِدَةٌ لَا يَخْتَلِفُ أَثَرُهَا بِتَفَاوُتِ الْمِلْكِ فَكَانَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute