للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَتَلَ نَفْسَهُ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ يُهْدَرُ دَمُهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ غَيْرَهُ قَتِيلًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ وَجَدَ قَتِيلًا وَكَانَتْ الدَّارُ مَمْلُوكَةً لِوَرَثَتِهِ لَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.

(وَإِنْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْإِنْسَانِ (الْقَسَامَةُ) ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمِلْكِ الْخَاصِّ إلَى الْمَالِكِ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) ؛ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ.

(وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ حُضُورًا يَدْخُلُونَ فِي الْقَسَامَةِ أَيْضًا) أَيْ كَصَاحِبِ الدَّارِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الْقَسَامَةِ كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُهُمْ عَوَاقِلُهُمْ فِيهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْحُضُورَ أَلْزَمَهُمْ نُصْرَةَ الْمَوْضِعِ كَمَا يَلْزَمُ رَبَّ الدَّارِ فَيَتَشَارَكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَاقِلَةُ حُضُورًا بَلْ كَانُوا غَائِبِينَ (كُرِّرَتْ) الْأَيْمَانُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.

(وَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ سُكَّانٌ وَمُلَّاكٌ فَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْجَمِيعِ) ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ» وَقَدْ كَانُوا سُكَّانًا وَلِأَنَّ وُجُوبَهُمَا عَلَيْهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ الْحِفْظَ أَوْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَالْكُلُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ بِاللَّيْلِ مِثْلُ الْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ يَكُونُونَ بِالنَّهَارِ فِي مَوْضِعٍ وَيَنْصَرِفُونَ إلَى أَهْلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمَحَلَّةِ إلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ؛ لِأَنَّ السُّكَّانَ يَنْتَقِلُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ دُونَ الْمُلَّاكِ وَلِأَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْغُنْمِ وَهُوَ الشُّفْعَةُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُلَّاكُ فَكَذَا مَا يَكُونُ مِنْ الْغُرْمِ وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَكَانُوا مُلَّاكًا لَا سُكَّانًا، الْمُلَّاكُ هُمْ أَصْحَابُ الرَّقَبَةِ وَالسُّكَّانُ هُمْ الْمُسْتَأْجِرُونَ وَالْمُسْتَعِيرُونَ وَالْمُودَعُونَ وَالْمُرْتَهِنُونَ.

وَإِذَا وُجِدَ الضَّيْفُ فِي دَارِ الْمُضِيفِ قَتِيلًا فَهُوَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَا نَازِلًا فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا دِيَةَ وَلَا قَسَامَةَ وَإِذَا كَانَ مُخْتَلِطًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

(وَهِيَ) أَيْ الْقَسَامَةُ (عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ) أَيْ أَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ الْقَدِيمَةِ الَّذِينَ تَمَلَّكُوهَا حِينَ فَتَحَ الْإِمَامُ الْبَلْدَةَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ.

(وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ (وَاحِدٌ دُونَ الْمُشْتَرِينَ) هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (عَلَى الْمُشْتَرِينَ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَلِهَذَا جُعِلُوا مُقَصِّرِينَ وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>