أَوْ بِاعْتِرَافٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» وَلِأَنَّهُ لَا يُتَنَاصَرُ بِالْعَبْدِ، وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمْ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَاقِلَةِ تَحَرُّزٌ عَنْ الْإِجْحَافِ بِالْخَاطِئِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) أَيْ الْعَاقِلَةَ الْمُعْتَرِفَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إقْرَارٌ مِنْهُمْ فَيَلْزَمُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ زَالَ.
(وَلَا) تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ (أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) وَتَتَحَمَّلُ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ النَّفْسِ وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِدَفْعِ الْإِجْحَافِ عَنْ الْجَانِي وَذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الْكَثِيرَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ بِالنَّصِّ وَمَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي (بَلْ ذَلِكَ) أَيْ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ (عَلَى الْجَانِي) وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي إيجَابِ الْكُلِّ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَوْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ فِي أَرْشِ الْجَنِينِ فِي الْإِيجَابِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَرْشُ الْجَنِينِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ الرَّجُلِ فَيُقْضَى بِذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِيمَا دُونَهُ يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَلَا تَدْخُلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي الْعَقْلِ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَوَاقِلِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفُ النُّصْرَةِ وَالْجِزْيَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ وَالنُّصْرَةُ لَا تُوجَدُ فِيهِمَا.
وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا، وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ بِأَنْفُسِهِمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قُتِلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ انْتَهَى.
(وَلَا يَعْقِلُ مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ لَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ.
(وَيَعْقِلُ الْكَافِرُ عَنْ الْكَافِرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا مِلَّةً) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (إنْ لَمْ تَكُنْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْمِلَّتَيْنِ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى) فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ فِيهِمَا ظَاهِرَةٌ فَلَا يَعْقِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ بِظُهُورِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلذِّمِّيِّ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) مِنْ يَوْمِ يُقْضَى عَلَيْهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِمَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْعَاقِلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute