وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَبُولِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي وَقَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ ثُمَّ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مُكَاتَبٍ) وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً. أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عَقْلُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ فَكَذَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فِيهِ ضَرَرٌ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ يَتَّفِقُ نَافِعًا بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ النَّظَرُ إلَى أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا إلَى مَا يَتَّفِقُ بِحُكْمِ الْحَالِ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً، وَقِسْمٌ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ قَالَ إذَا أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ عَتَقَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ.
(وَالْوَصِيَّةُ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فَرْضٌ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ فَيُبْدَأُ بِالْفَرْضِ (فَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِمَّنْ يُحِيطُ دَيْنُهُ بِمَالِهِ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ بَقَاءُ الدَّيْنِ فَإِذَا أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا.
(وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَجَازَ رُجُوعُهُ عَنْهَا كَالْهِبَةِ وَلِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَثْبُتُ صَرِيحًا وَقَدْ يَثْبُتُ دَلَالَةً فَلِهَذَا قَالَ (قَوْلًا) كَأَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ وَصِيَّتِي (أَوْ فِعْلًا) وَهُوَ مَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (يَقْطَعُ) صِفَةُ فِعْلًا (حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ أَوْ خِيَاطَتِهِ (أَوْ يُزِيلُ مِلْكَهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ) فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ رُجُوعًا دَلَالَةً وَالدَّلَالَةُ تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ فَقَامَ الْفِعْلُ لِلْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مَقَامَ الْقَوْلِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اشْتَرَاهُ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (أَوْ رَجَعَ) عَنْ الْهِبَةِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَزَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا يُجْدِي تَمَلُّكُهُ ثَانِيًا بِالشِّرَاءِ وَالرُّجُوعِ (أَوْ يُوجِبُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقْطَعُ الْوَاقِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute