{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] وَلِأَنَّ النَّظَر فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ تَعْطِيلَ مَصَالِحِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ إذْ الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، أَمَّا الْوَصِيُّ فَتَصَرُّفُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ (وَيَصِحَّانِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَشِرَاؤُهُ (مِنْ نَفْسِهِ إنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ) لِلصَّغِيرِ كَمَا إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَةَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مِنْ مَتَاعِ الصَّغِيرِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ لِنَفْسِهِ صَحَّ (خِلَافًا لَهُمَا) قِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْإِمَامِ مَا تَلَوْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] وَالتَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ دَاخِلٌ تَحْتَ الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ، وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَلِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي بِضِعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى وَزَادَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةَ أَحَدُهَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ وَصِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا إلَّا مِنْهُ، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ غَلَّاتُهُ لَا تَزِيدُ عَلَى مُؤْنَتِهِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ حَانُوتًا أَوْ دَارًا يُخْشَى عَلَيْهِ النُّقْصَانُ انْتَهَى وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ أُخْرَى وَهِيَ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ، وَخَافَ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ فَلَهُ بَيْعُهُ انْتَهَى.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ (دَفْعُ الْمَالِ) أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ (مُضَارَبَةً وَشَرِكَةً وَبِضَاعَةً) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَلِلْأَبِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ فَكَذَا لِلْوَصِيِّ.
(وَ) لَهُ (قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْإِمْلَاءِ) مِنْ الْمُلَاءَةِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَدَاءِ وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ الْمُحِيلُ الْمَدْيُونُ (لَا عَلَى الْأَعْسَرِ) مِنْ الْمُحِيلِ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ بِسُقُوطِهِ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الثَّانِي مُفْلِسًا وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَمْلَأَ وَأَقْدَرَ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ بِأَنْ كَانَ الثَّانِي أَفْلَسَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ.
بَقِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ يَسَارًا وَإِعْسَارًا هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ.
(وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute