وَإِنْ نَوَى، وَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَهُوَ حُجَّةٌ مِنْ الْأَخْرَسِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلَا تَخْتَصُّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بَلْ تَثْبُتُ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ وَتَثْبُتُ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ بِإِشَارَتِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ وَالْغَالِبُ فِي الْقِصَاصِ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْحُدُودُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ.
(وَإِذَا اخْتَلَطَ الذَّكِيَّةُ بِمَيْتَةٍ أَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الذَّكِيَّةِ (تَحَرَّى وَأَكَلَ) فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَيْتَةُ أَقَلَّ مِنْهَا بَلْ مُسَاوِيَةً أَوْ أَكْثَرَ فَلَا تُؤْكَلُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لَكِنْ (يَتَحَرَّى) فِي أَكْلِهَا
(عِنْدَ الِاضْطِرَارِ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ الْغَنَمُ مَذْبُوحَةً وَفِيهَا مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى فِيهَا وَأَكَلَ وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَكْثَرَ أَوْ كَانَتَا نِصْفَيْنِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَاَلَّذِي تُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكِيَّةً أَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الذَّكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ دَلِيلٌ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّ الْحَالَةَ حَالَةُ الِاخْتِيَارِ وَلَنَا أَنَّ الْغَلَبَةَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ فِي إفَادَةِ الْإِبَاحَةِ.
أَلَا يُرَى أَنَّ أَسْوَاقَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو عَنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ مَعَ ذَلِكَ يَحِلُّ التَّنَاوُلُ اعْتِمَادًا عَلَى الْغَالِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَقَلِيلِ النَّجَاسَةِ وَقَلِيلِ الِانْكِشَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا نِصْفَيْنِ أَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَغْلَبَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ.
(وَإِذَا أَحْرَقَ رَأْسَ الشَّاةِ الْمُتَلَطِّخَ بِدَمٍ، وَزَالَ دَمُهُ فَاِتَّخَذَ مِنْهُ مَرَقَةً جَازَ) اسْتِعْمَالُهَا (وَالْحَرْقُ كَالْغَسْلِ) ؛ لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ أَوْ يُحِيلَهُ فَيَصِيرَ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرَ بِالِاسْتِحَالَةِ قَالُوا إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ الْخُبْزُ.
(وَلَوْ جَعَلَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ بِخِلَافِ الْعُشْرِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَهُ أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَرَاجِ فَصَحَّ تَرْكُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ صِلَةٌ مِنْ الْإِمَامِ وَالْعُشْرُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْخُلُوصِ كَالزَّكَاةِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ خَرَاجَ أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ كَرْمِهِ أَوْ بُسْتَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِصَرْفِ الْخَرَاجِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ، وَهُوَ الْفَتْوَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ وَلَوْ تَرَكَ الْعُشْرَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَلَوْ دَفَعَ) الْإِمَامُ (الْأَرَاضِيَ الْمَمْلُوكَةَ إلَى قَوْمٍ) أَيْ إنْ عَجَزَ أَصْحَابُ الْخَرَاجِ عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ وَدَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَى غَيْرِ