للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِتَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ دَعْوَاهُ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ فِي الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَنْتَفِي تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ فَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ لِتَحَقُّقِ يَدِهِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالْبَيِّنَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ هَذَا إذَا ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، فَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَأَقَرَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ.

(وَلَا يَصِحُّ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي عَقَارٍ لَيْسَ فِي وِلَايَتِهِ) لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ عَقَارٌ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِيهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنَّمَا عَدَلْنَا عَمَّا اعْتَمَدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمَحْدُودِ لَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْدُودُ فِي وِلَايَتِهِ انْتَهَى.

وَفِي تَبْيِينِ الْكَنْزِ عَلَّلَ عَدَمَ صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.

قَالَ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ هَلْ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ أَوْ الْأَهْلُ فَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْأَهْلُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ الْمَكَانَ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَهْلِ عَلَى مَنْ يَعْتَبِرُ الْأَهْلَ، وَإِنْ خَرَجَ الْقَاضِي مَعَ الْخَلِيفَةِ مِنْ الْمِصْرِ قَضَى، وَإِنْ خَرَجَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْمَكَانَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَيَكُونَ الْمِصْرُ شَرْطًا فِيهِ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا انْتَهَى.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَبِهِ يُفْتَى.

(وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي) أَيْ ظَهَرَ لِي (غَيْرَ ذَلِكَ) الْقَضَاءِ (أَوْ وَقَفْتُ فِي تَلْبِيسِ الشُّهُودِ أَوْ أَبْطَلْت حُكْمِي وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ) قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءُ مَاضٍ إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ) لِأَنَّ رَأْيَهُ الْأَوَّلَ قَدْ تَرَجَّحَ بِالْقَضَاءِ، فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلَا إبْطَالَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُدَّعِي.

أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَ لَمَّا اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ الْقَضَاءُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا لِمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ فَكَذَا الْقَاضِي.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ بَعْدَ الَّذِي قَضَى بِخِلَافِهِ فَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ فَيَسْتَأْنِفُ.

وَفِي الْمُحِيطِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالِاجْتِهَادِ فِي حَادِثَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا ثُمَّ تَحَوَّلَ عَنْ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِي الْمُسْتَقْبِلِ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ عِنْدَهُ، وَلَا يَنْقُضُ مَا مَضَى مِنْ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ دُونَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَنْقُضْ الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَى بِالرَّأْيِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بَعْدَهُ فَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>