للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنَّهُ يَنْقُضُ ذَلِكَ الْقَضَاءَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِاجْتِهَادِهِ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَ الْأَوَّلِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فَالنَّصُّ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِاجْتِهَادِهِ كَانَ مَوْجُودًا مُنْزَلًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ كَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلٍّ لَا نَصَّ فِيهِ فَيَصِحُّ وَصَارَ ذَلِكَ شَرِيعَةً لَهُ فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ صَارَ نَاسِخًا لِذَلِكَ الشَّرِيعَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ وُقُوعَ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي عَدَمِ صِحَّةِ رُجُوعِ الْقَاضِي عَنْهُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ، وَيُفْهَمُ مِنْ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَضَى بِعِلْمِهِ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ.

وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا قَالَ الشُّهُودُ قَضَيْتَ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي بِأَنْ قَالَ لَمْ أَقْضِ فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مَا لَمْ يُنَفِّذْهُ قَاضٍ آخَرُ أَمَّا إذَا أَنْفَذَهُ قَاضٍ آخَرُ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ لِوُجُودِ قَضَائِهِ الثَّانِي بِهِ.

(وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ حَقٌّ فَخَبَّأَ) صَاحِبُ الْحَقِّ (قَوْمًا ثُمَّ سَأَلَهُ) أَيْ سَأَلَهُ الْآخَرُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ (فَأَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْحَقِّ (وَهُمْ) أَيْ الْقَوْمُ (يَرَوْنَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (وَيَسْمَعُونَهُ) أَيْ يَسْمَعُونَ إقْرَارَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُقِرُّ (لَا يَرَاهُمْ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ) بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ عَلِمُوهُ وَالْعِلْمُ هُوَ الرُّكْنُ فِي إطْلَاقِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» .

(وَإِنْ سَمِعُوا كَلَامَهُ، وَ) لَكِنْ (لَمْ يَرَوْهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (فَلَا) تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانُوا دَخَلُوا الْبَيْتَ وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، ثُمَّ جَلَسُوا عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ لِلْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فَسَمِعُوا إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَمْ يَرَوْهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ.

(وَلَوْ بِيعَ عَقَارٌ وَبَعْضُ أَقَارِبِ الْبَائِعِ حَاضِرٌ يَعْلَمُ الْبَيْعَ، وَسَكَتَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ) بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا إلَّا إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً حَيْثُ تَسْقُطُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْفُضُولِيُّ مِلْكَ رَجُلٍ وَالْمَالِكُ سَاكِتٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَضِيَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى.

وَفِي التَّبْيِينِ لَمْ يُعَيِّنْ الْقَرِيبَ هُنَا وَفِي الْفَتَاوَى لِأَبِي اللَّيْثِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَابْنُهُ وَامْرَأَتُهُ حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ، وَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَمَانًا، ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِلْكَ أَبِيهِ وَقْتَ الْبَيْعِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَهُوَ تَلْبِيسٌ مَحْضٌ وَحُضُورُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَتَرْكُهُ فِيمَا يَصْنَعُ فِيهِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، وَأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ وَجَعَلَ سُكُوتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْإِفْصَاحِ بِالْإِقْرَارِ قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>