تَشْغَلُهُ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي وَقْتِهَا وَإِلَّا فَلَا فَلْيُرَاجَعْ أَقُولُ: إنَّ الِاسْتِخْلَافَ جَائِزٌ مُطْلَقًا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي تَارِيخِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ إذْنٌ عَامٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ» الْحَدِيثَ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ (وَقْتَ الظُّهْرِ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا وَقْتُ الظُّهْرِ لَكِنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ إلَّا أَنْ يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ هَذَا حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ: تَصِحُّ قَبْلَ الزَّوَالِ أَيْضًا وَقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ: تَصِحُّ بَعْدَهُ مُمْتَدًّا إلَى الْمَغْرِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَاحِدٌ عِنْدَهُ.
(وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَلَوْ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا شَرْطٌ وَشَرْطُ الشَّيْءِ سَابِقٌ عَلَيْهِ (فِي وَقْتِهَا) أَيْ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ لَمْ تَصِحَّ.
(وَالْجَمَاعَةُ) بِالْإِجْمَاعِ.
(وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) وَهُوَ أَنْ يُفْتَحَ أَبْوَابُ الْجَامِعِ لِلْوَارِدِينَ قَالُوا: السُّلْطَانُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَشَمِهِ فِي دَارِهِ فَإِنْ فَتَحَ الْبَابَ وَأَذِنَ إذْنًا عَامًّا جَازَتْ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْكَافِي وَمَا لَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ مِنْ غَلْقِ أَبْوَابِهِ خَوْفًا مِنْ الْأَعْدَاءِ أَوْ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ عِنْدَ حُضُورِ الْوَقْتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ إذْنَ الْعَامِّ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِهِ وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَانَ أَحْسَنَ كَمَا فِي شَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ خِلَافُهُ لَكِنْ مَا قَرَّرْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ يَحْصُلُ بِفَتْحِ بَابِ الْجَامِعِ وَعَدَمِ الْمَنْعِ وَلَا مَدْخَلَ فِي غَلْقِ بَابِ الْقَلْعَةِ وَفَتْحِهِ وَلِأَنَّ غَلْقَ بَابِهَا لِمَنْعِ الْعَدُوِّ لَا لِمَنْعِ غَيْرِهِ تَدَبَّرْ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ الْعَامُّ (وَالْمِصْرُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالْقُدُورِيِّ.
وَفِي الْغَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ: وَيُقِيمُ الْحُدُودَ بَعْدَ قَوْلِهِ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ لَا تَسْتَلْزِمُ إقَامَةَ الْحُدُودِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً تُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُقِيمَ الْحُدُودَ وَكَذَلِكَ الْمُحَكِّمُ انْتَهَى أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَلْدَةَ إذَا كَانَ قَاضِيهَا أَوْ أَمِيرُهَا امْرَأَةً لَا تَكُونُ مِصْرًا فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا وَلَكِنْ فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ.
وَفِي الْبَدَائِعِ: السُّلْطَانُ إذَا كَانَ امْرَأَةً فَأَمَرَتْ رَجُلًا صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْلُحُ سُلْطَانَةً أَوْ قَاضِيَةً فِي الْجُمُعَةِ فَتَصِحُّ إنَابَتُهَا تَدَبَّرْ (وَقِيلَ) : قَائِلُهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُمَا (مَا لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُهُ فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِ لَا يَسَعُهُمْ) هَذَا رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ وَإِنَّمَا أُورِدَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ هَذَا الْحَدَّ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ مُلَائِمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute