بِشَرْطِ وُجُودِ السُّلْطَانِ وَنَائِبِهِ وَمُنَاسِبًا لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمِصْرُ كُلُّ بَلْدَةٍ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَوَالٍ لِدَفْعِ الْمَظَالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ.
وَفِي الْغَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ فِيهِ كُلُّ مُحْتَرَفٍ وَيُوجَدُ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي مَعَاشِهِمْ وَفِيهِ فَقِيهٌ يُفْتِي وَقَاضٍ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مَصَّرَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ مِصْرٌ حَتَّى لَوْ بَعَثَ إلَى قَرْيَةٍ نَائِبًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تَصِيرُ مِصْرًا فَإِذَا عَزَلَهُ يَلْتَحِقُ بِالْقُرَى (وَفِنَاؤُهُ) أَيْ الْمِصْرِ (مَا اتَّصَلَ بِهِ) أَيْ بِالْمِصْرِ (مُعَدًّا لِمَصَالِحِهِ) يَعْنِي لِحَوَائِجِ أَهْلِهِ مِنْ دَفْنِ الْمَوْتَى وَرَكْضِ الْخَيْلِ وَرَمْيِ السَّهْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ بِالْمَزَارِعِ وَالْمَرَاعِي لَا يَكُونُ فِنَاءً لَهُ كَمَا بَيَّنَ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَكِنْ قَدْ خَطَّأَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: فَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِبُخَارَى فِي مُصَلَّى الْعِيدِ لِأَنَّ بَيْنَ الْمِصْرِ وَبَيْنَ الْمُصَلَّى مَزَارِعَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّةً وَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُنْكِرْ جَوَازَ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ بِبُخَارَى لَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكَمَا أَنَّ الْمِصْرَ أَوْ فِنَاءَهُ شَرْطُ جَوَازِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْعِيدِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ.
(وَتَصِحُّ فِي مِصْرٍ) وَاحِدٍ (فِي مَوَاضِعَ هُوَ الصَّحِيحُ) وَهُوَ قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ.
وَفِي الْمِنَحِ: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ مُطْلَقًا خُصُوصًا إذَا كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا فَإِنَّ فِي اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ حَرَجًا بَيِّنًا لِاسْتِدْعَائِهِ تَطْوِيلَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ.
وَفِي كَلَامِهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمِصْرُ صَغِيرًا لَا مَشَقَّةَ فِي اجْتِمَاعِ أَهْلِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ.
(وَعَنْ الْإِمَامِ) لَا تَجُوزُ إلَّا (فِي مَوْضِعٍ فَقَطْ) لِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيلُ جَمَاعَتِهَا.
وَفِي جَوَازِهَا فِي مَكَانَيْنِ تَقْلِيلُهَا فَإِنْ أُدِّيَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجُمُعَةُ لِلْأَوَّلِ تَحْرِيمَةً فَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا بَطَلَتَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَقِيلَ فَرَاغًا وَقِيلَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقِيلَ: تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَلَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إنْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ) كَبِيرٌ كَبَغْدَادَ أَوْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فِي بَغْدَادَ وَقْتَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ كَمِصْرَيْنِ ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ بِتَفْوِيتِ شَرْطِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَنْوِيَ بِهَا الظُّهْرَ لِيَخْرُجُوا عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ لَوْ لَمْ تَقَعْ الْجُمُعَةُ مَوْقِعَهَا كَمَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَمَّا اُبْتُلِيَ أَهْلُ مَرْوِ بِإِقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهَا أَمَرَهُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِأَدَاءِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ حَتْمًا احْتِيَاطًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute