وَإِضَافَتُهَا إلَيْهَا لِلتَّقْيِيدِ (وَأَنْتَنَ بِالْمُكْثِ) عَطْفٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَكْثِ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ وَالْمَاضِي مِنْهُ مَكَثَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا، وَالِاسْمُ مِنْهُ مُكْثٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا.
(لَا) تَجُوزُ الطَّهَارَةُ (بِمَاءٍ خَرَجَ عَنْ طَبْعِهِ) وَهُوَ الرِّقَّةُ وَالسَّيَلَانُ (بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ) : أَيْ بِوُقُوعِ الْأَوْرَاقِ الْكَثِيرَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ أَوْصَافُهُ جَمِيعًا، وَإِنْ جَوَّزَهُ الْأَسَاتِذَةُ عَلَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ إلَّا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَوْلَى أَخِي حَلَبِيٍّ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى مَا بُيِّنَ آنِفًا تَدَبَّرْ (أَوْ بِغَلَبَةِ غَيْرِهِ) بِأَنْ يَكُونَ أَجْزَاءُ الْمُخَالِطِ أَزْيَدَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ غَلَبَهُ حَقِيقَةً لِرُجُوعِهَا إلَى الذَّاتِ بِخِلَافِ الْغَلَبَةِ بِاللَّوْنِ فَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْوَصْفِ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْغَلَبَةَ بِاللَّوْنِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّوْنَ مُشَاهَدٌ وَفِي الْمُحِيطِ عَكْسُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَاتٌ كَثِيرَةٌ، فَلْيُطْلَبْ مِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهَا (أَوْ بِالطَّبْخِ كَالْأَشْرِبَةِ وَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَالْمَرَقِ) قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَشْرِبَةَ وَالْخَلَّ مِثَالَيْنِ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْحُلْوَ الْمَخْلُوطَ بِالْمَاءِ كَالدِّبْسِ وَالشَّهْدِ الْمَخْلُوطَيْنِ بِالْمَاءِ، وَمِنْ الْخَلِّ الْخَلُّ الْمَخْلُوطُ بِالْمَاءِ عَلَى مَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْبَاقِي أَمْثِلَةٌ لِمَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَأَنْ يَكُونَ الْخَلُّ مِثَالًا لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاءٌ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْخَلَّ مَثَلًا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ، وَالْمَاءُ مَغْلُوبٌ يُقَالُ: خَلٌّ مَخْلُوطٌ بِالْمَاءِ لَا مَاءٌ مَخْلُوطٌ بِالْخَلِّ تَدَبَّرْ.
(وَلَا) تَجُوزُ الطَّهَارَةُ (بِمَاءٍ قَلِيلٍ وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ مَا لَمْ يَكُنْ غَدِيرًا) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُغَادَرَةُ التَّرْكُ وَالْغَدِيرُ الْقِطْعَةُ مِنْ الْمَاءِ يُغَادِرُهَا السَّيْلُ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِنْ غَادَرَهُ أَوْ مَفْعُولٍ مِنْ اُغْدُرْهُ وَيُقَالُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ؛ لِأَنَّهُ يَغْدِرُ بِأَهْلِهِ أَيْ يَنْقَطِعُ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ غَدَرَ أَيْ تَرَكَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَرَكَهُ مَاءُ السَّيْلِ
اعْلَمْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ دُونَ الْكَثِيرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا فَمَالِكٌ اعْتَبَرَ تَغْيِيرَ الْوَصْفِ وَالشَّافِعِيُّ قَدَّرَ بِالْقُلَّتَيْنِ وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ عِنْدَهُمْ وَذُكِرَ فِي وَجِيزِهِمْ وَالْأَشْبَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ مَنْ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا وَأَصْحَابُنَا قَدَّرُوا بِعَدَمِ الْخُلُوصِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ الْخُلُوصُ فَذَهَبَ الْمُتَقَدِّمُونَ إلَى أَنَّهُ يُعْرَفُ بِالتَّحْرِيكِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِهِ (لَا يَتَحَرَّكُ طَرَفُهُ الْمُتَنَجِّسُ بِتَحْرِيكِ طَرَفِهِ الْآخَرِ) فَهُوَ مِمَّا لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّحْرِيكِ التَّحْرِيكُ بِالِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضُ فِي سَاعَتِهِ لَا بَعْدَ الْمَكْثِ؛ إذْ الْمَاءُ سَيَّالٌ يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِالِاضْطِرَابِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ وَلَوْ كَثُرَ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ التَّحْرِيكِ فَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكُ بِالِاغْتِسَالِ وَهُوَ أَنْ يَغْتَسِلَ إنْسَانٌ فِي جَانِبٍ مِنْهُ اغْتِسَالًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute