وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ عَدَمُ ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ ذَكَرَ أَرْكَانَ الدِّينِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ وَيُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَوْنُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الزِّفَافِ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ.
(وَيَنْعَقِدُ) أَيْ يَحْصُلُ وَيَتَحَقَّقُ النِّكَاحُ فِي الْوُجُودِ (بِإِيجَابٍ) فِي مَجْلِسٍ وَالْإِيجَابُ شَرْعًا لَفْظٌ صَدَرَ عَنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوَّلًا رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْجَوَابُ عَلَى الْآخَرِ بِنَعَمْ أَوْ لَا وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ (وَقَبُولٌ) هُوَ لَفْظٌ صَدَرَ عَنْ الْآخَرِ ثَانِيًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ عَلَى وَرَقَةٍ مَثَلًا لِامْرَأَةٍ زَوِّجْنِي نَفْسَكَ فَكَتَبَتْ تَحْتَهُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ لَا يَنْعَقِدُ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَإِلَى أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ مِنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ حَتَّى لَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ (كِلَاهُمَا) يَكُونَانِ (بِلَفْظِ الْمَاضِي) ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَمَّا كَانَ الْإِنْشَاءَ وَالْإِثْبَاتَ اُخْتِيرَ لَهُ لَفْظُ الْمَاضِي الدَّالُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالْوُقُوعِ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ لِيَشْمَلَ اللَّفْظَيْنِ حُكْمًا وَهُوَ الصَّادِرُ مِنْ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ شَرْعًا وَيَشْمَلُ مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ أَحَدُهُمَا) يَكُونُ بِلَفْظِ الْمَاضِي (كَزَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُ) قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَضْعًا لِلْمَاضِي كَزَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ وَيَنْعَقِدُ أَيْضًا بِمَا وُضِعَا أَيْ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمَاضِي وَالْآخَرُ لِلِاسْتِقْبَالِ يَعْنِي الْأَمْرَ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِقْبَالِ كَزَوِّجْنِي وَزَوَّجْتُ وَإِنَّمَا عَطَفَ قَوْلَهُ بِمَا وُضِعَا عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وُضِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ مِنْ الْإِيجَابِ وَلَا الْقَبُولِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي، ثُمَّ قَالَ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَبِالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَعَادَ لَفْظَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ الَّذِينَ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ لَيْسَا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بَلْ قَوْلُهُ زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ وَقَوْلُهُ زَوَّجْتُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ حُكْمًا فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَصَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ كَأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ثَانِيًا وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ أَنَّ مَا وُضِعَ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فَقَصَدَا الِاخْتِصَارَ فَقَالَ الْأَوَّلُ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ لَفْظُهُمَا مَاضٍ كَزَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ، أَوْ مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ كَزَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُ وَقَالَ الثَّانِي وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي، أَوْ أَحَدُهُمَا انْتَهَى، لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَ الصِّحَّةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا قَائِمًا بِالْمُجِيبِ وَصَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِالْمُجِيبِ وَالْقَابِلِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ هَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظَ الْمُفِيدَ قَصْدَ تَحْقِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute