ثُمَّ الْإِسْقَاطَاتُ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ أَسْمَاؤُهَا بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الرِّقِّ عِتْقٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ طَلَاقٌ وَإِسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ بَرَاءَةٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ عَفْوٌ كَمَا فِي الْأَقْطَعِ (هُوَ) أَيْ الْإِعْتَاقُ لُغَةً: الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ يُقَالُ أَعْتَقَهُ فَعَتَقَ وَيُقَالُ مِنْ بَابِ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يَفْعِلُ بِالْكَسْرِ عَتَقَ الْعَبْدُ عَتَاقًا، وَالْعِتْقُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ فَالْعِتْقُ اللُّغَوِيُّ حِينَئِذٍ هُوَ الْعِتْقُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ: الْإِعْتَاقُ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ مُطْلَقًا وَشَرْعًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ) لَكِنَّ الْأَوْلَى مَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا قَوِيَ وَإِنَّمَا قَالُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا خَرَجَ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْقُوَّةَ فِي عِتْقِ الطَّيْرِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ إثْبَاتَ الْقُوَّةِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا لَا عَلَى مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْفِعْلِ الْمُفْضِي إلَى حُصُولِ الْعِتْقِ فَلِهَذَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَالْعَجَبُ أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ ذَكَرَ فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَفَصَّلَ كُلَّ التَّفْصِيلِ تَتَبَّعْ، ثُمَّ الْعِتْقُ أَرْبَعَةٌ وَاجِبٌ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] ، وَمَنْدُوبٌ إذَا أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» ، وَمُبَاحٌ إذَا أَعْتَقَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ لِفُلَانٍ، وَمَعْصِيَةٌ إذَا أَعْتَقَهُ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ (إنَّمَا يَصِحُّ) الْإِعْتَاقُ (مِنْ مَالِكٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ شَرْطٌ لِلنَّفَاذِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ هُنَا إلَّا فِي الصِّحَّةِ تَأَمَّلْ (حُرٍّ) ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مُلِكَ وَلَا عِتْقَ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ الْمَمْلُوكُ مَأْذُونًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ حُرٍّ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذِكْرِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ إعْتَاقِ غَيْرِ الْحُرِّ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ تَدَبَّرْ (مُكَلَّفٍ) أَيْ عَاقِلٍ بَالِغٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَنَائِمٍ وَمُبَرْسَمٍ وَمَدْهُوشٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِأَهْلٍ لَهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ أَنَا نَائِمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُهُ وَأَنَا مَجْنُونٌ بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ جُنُونُهُ، أَوْ قَالَ وَأَنَا حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ (بِصَرِيحِهِ) أَيْ بِصَرِيحِ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ وَضْعًا وَشَرْعًا.
(وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) سَوَاءٌ ذُكِرَ بِصِيغَةِ الْوَصْفِ أَوْ الْخَبَرِ أَوْ النِّدَاءِ (كَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ خَبَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute