للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا فَعَلَى الْخِلَافِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالنُّسَخُ الْمُعْتَبَرَةُ كَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْمَبْسُوطِ، وَالْمَنْظُومَةِ، وَالْأَسْرَارِ، وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا تَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْت، وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ بِكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ الَّذِي أَكْثَرُهُ بُسْرٌ وَشَيْءٌ مِنْهُ رُطَبٌ، وَالرُّطَبُ الْمُذَنِّبُ الَّذِي أَكْثَرُهُ رُطَبٌ وَشَيْءٌ مِنْهُ بُسْرٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ إذْ الْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْمَعْدُومِ عُرْفًا فَاَلَّذِي عَامَّتُهُ رُطَبٌ يُسَمَّى رُطَبًا عُرْفًا لَا بُسْرًا وَشَرْعًا إذْ الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي الرَّضَاعِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَكَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً فَيَحْنَثُ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ وَأَكَلَهُ يَحْنَثُ إجْمَاعًا فَكَذَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ انْتَهَى فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ لَا تَخْلُو عَنْ شَيْءٍ تَأَمَّلْ.

(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ) بِالْكَسْرِ هِيَ عُنْقُودُ النَّخْلِ (فِيهَا رُطَبٌ لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَادَفَ الْمَجْمُوعَ وَكَانَ الرُّطَبُ تَابِعًا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ حَبَّةً حَبَّةً يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ صَادَفَ شَيْئًا شَيْئًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْقُهُسْتَانِيّ إذْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ إضَافَةِ الْكِبَاسَةِ إلَى الْبُسْرِ وَجَعْلِهَا ظَرْفًا لِلرُّطَبِ أَنَّ الْبُسْرَ غَالِبٌ فَلَوْ كَانَ الرُّطَبُ غَالِبًا أَوْ هُوَ، وَالْبُسْرُ مُتَسَاوِيَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ (كَمَا لَوْ اشْتَرَى بُسْرًا مُذَنِّبًا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَغْلُوبَ تَابِعٌ.

(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ بَيْضًا) بِلَا نِيَّةٍ (فَأَكَلَ لَحْمَ سَمَكٍ أَوْ بَيْضَةً لَا يَحْنَثُ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا كَمَا فِي الْقُرْآنِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتِدٍ فَجَلَسَ عَلَى جَبَلٍ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سُمِّيَ فِيهِ دَابَّةً وَأَوْتَادًا، وَالْعُرْفُ مَعَنَا وَلِهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ لِاِتِّخَاذِ الْبَاجَّاتِ مِنْهُ وَبَائِعُ السَّمَكِ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْضِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْضِ عُرْفًا يَتَنَاوَلُ بَيْضَ الطَّيْرِ بِمَا لَهُ قِشْرٌ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ بَيْضُ السَّمَكِ إلَّا بِنِيَّةٍ.

(وَكَذَا فِي الشِّرَاءِ) أَيْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا أَوْ بَيْضًا فَاشْتَرَى لَحْمَ السَّمَكِ أَوْ بَيْضَهُ لَا يَحْنَثُ لِمَا بَيَّنَّاهُ.

(وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ إنْسَانٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا (حَنِثَ) لِوُجُودِ صُورَةِ اللَّحْمِ وَمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ إلَّا أَنَّهُ حُرِّمَ أَكْلُهُ شَرْعًا وَذَا لَا يُبْطِلُ حَقِيقَتَهُ فَرُبَّمَا دَعَا إلَى الْيَمِينِ حُرْمَتُهُ أَلَا تَرَى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا يَحْنَثُ بِالْخَمْرِ وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا؛ لِأَنَّهَا شَرَابٌ حَقِيقَةً وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي.

وَفِي الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ (وَكَذَا) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>