للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهَا بِإِنَاءٍ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ يُقَالُ شَرِبَ أَهْلُ بَغْدَادَ مِنْ دِجْلَةَ، وَالْمُرَادُ الشُّرْبُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الشُّرْبِ مِنْ دِجْلَةَ بِالْكَرْعِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فَمَنَعَتْ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَالْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ أَوْلَى وَفِي الْمُجْتَبَى وَلِجِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَصْلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً وَلَهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إجْمَاعًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَعِنْدَهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا لَا بِطَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ وَلَكِنْ بِمَجَازٍ يَعُمُّ أَفْرَادَهُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ.

(وَإِنْ قَالَ) لَا يَشْرَبُ (مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ حَنِثَ بِالْإِنَاءِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْمَاءِ دُونَ النَّهْرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا شَرِبَ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ الْمَاءَ حَنِثَ وَإِلَى أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ كَرْعًا أَوْ اعْتِرَافًا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ حَنِثَ.

وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا أَوْ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَاءٍ عَذْبٍ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ.

(وَكَذَا فِي الْجُبِّ، وَالْبِئْرِ) أَيْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْجُبِّ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ بِالْإِنَاءِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ فَشَرِبَ بِالْكَرْعِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْكَرْعُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ.

وَفِي الِاخْتِيَارِ هَذَا فِي الْبِئْرِ وَأَمَّا فِي الْحُبِّ إنْ كَانَ مَلْآنًا يُمْكِنُ الشُّرْبُ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَرْعِ عِنْدَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ (وَفِي الْإِنَاءِ بِعَيْنِهِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ فَهُوَ عَلَى الشُّرْبِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ (وَإِمْكَانُ الْبِرِّ) وَرَجَاءُ الصِّدْقِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (شَرْطُ صِحَّةِ) انْعِقَادِ (الْحَلِفِ) الْمُطْلَقِ، وَالْمُقَيَّدِ سَوَاءٌ كَانَ قَسَمًا أَوْ غَيْرَهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ وَمَحَلُّهُ عِنْدَهُ خَبَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ لَا كَمَسْأَلَةِ مَسِّ السَّمَاءِ وَعِنْدَهُمَا مَحَلُّ الْيَمِينِ خَبَرٌ فِي رَجَاءِ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَوَائِلَ الْكِتَابِ أَوْلَى بِهَذَا الْأَصْلِ.

(فَمَنْ حَلَفَ) بِاَللَّهِ (لَيَشْرَبَن مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ) أَوْ أَنْ أَشْرَبَهُ الْيَوْمَ فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا (وَلَا مَاءَ فِيهِ) سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُهُ لَكِنَّ الْإِسْبِيجَابِيَّ قَيَّدَهُ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنْ لَا مَاءَ فِيهِ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِأَنْ لَا مَاءَ فِيهِ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ لِتَحَقُّقِ الْعَدَمِ (أَوْ) قَدْ (كَانَ) فِيهِ (فَصُبَّ) أَوْ شَرِبَ غَيْرَهُ أَوْ مَاتَ (قَبْلَ مُضِيِّهِ) أَيْ مُضِيِّ الْيَوْمِ (لَا يَحْنَثُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ فَالْبِرُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْيَوْمَ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَإِنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ فَالْبِرُّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْيَوْمِ فَإِذَا صُبَّ لَمْ يَكُنْ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا فَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>