للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَالُ هَالِكٌ تُقْطَعُ وَلَمْ يَضْمَنْ كَذَّبَهُ مَوْلَاهُ أَوْ صَدَّقَهُ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهُ تُقْطَعُ عِنْدَهُمْ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَقَالَ الْمَوْلَى الْمَالُ مَالِي قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْطَعُ يَدُهُ، وَالْمَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْطَعُ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُقْطَعُ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ.

وَقَالَ زُفَرَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا، أَوْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا لَا وَدَلِيلُهُمْ مُبَيَّنٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلْيُرَاجَعْ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْأَقَاوِيلَ الثَّلَاثَةَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ فَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَالثَّانِي أَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ.

(وَمَنْ قُطِعَ بِسَرِقَةٍ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ) أَيْ: حَالَ كَوْنِ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ مَوْجُودَةً (رَدَّهَا) إلَى صَاحِبِهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهَا، أَوْ بَاعَهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اسْتَهْلَكَهَا) سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» قَوْلُهُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إشَارَةٌ إلَى رَدّ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ.

وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ تُقْطَعْ عِنْدَنَا، وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ تُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجْتَمِعُ.

وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قُطِعَ السَّارِقُ، ثُمَّ اسْتَهْلَكَ السَّرِقَةَ غَيْرُهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَحَدٍ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ.

(وَإِنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ بِكُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ السَّرِقَاتِ يَعْنِي مَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَحَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَابِهَا وَادَّعَى حَقَّهُ فَأَثْبَتَ فَقُطِعَ فِيهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَضْمَنُ مَا) مَوْصُولَةٌ (لَمْ يُقْطَعْ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعُ وَاحِدٍ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ وَاحِدٍ نِصَابًا مِرَارًا فَخَاصَمَهُ فِي بَعْضِهَا فَقُطِعَ لِنِصَابٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَضَرُوا وَقُطِعَ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ لَمْ يُقْطَعْ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا.

(وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ) ، وَهُوَ يُسَاوِي بَعْدَ الشَّقِّ نِصَابًا (ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ) مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تُقْطَعُ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ وَفِي الْيَسِيرِ تُقْطَعُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَتَرْكِ الثَّوْبِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مَعَ الْقَطْعِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا وَصَحَّحَ الْخَبَّازِيُّ عَدَمَ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَطْعِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الضَّمَانَ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنَافِعِ، بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>