وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بِالْبَيْعِ وَتَأْخِيرِهِ ظَاهِرٌ (هُوَ) لُغَةً النَّقْلُ وَالزِّيَادَةُ وَشَرْعًا هُوَ (بَيْعُ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ) أَيْ مَا خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ (تَجَانُسًا) كَبَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ (أَوْ لَا) كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِنَا مَا خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ بَيْعُ الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ أَوْ بِالنَّقْدِ، فَإِنَّ الْمَصُوغَ بِسَبَبِ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الصَّنْعَةِ لَمْ يَبْقَ ثَمَنًا صَرِيحًا وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ، وَمَعَ ذَلِكَ بَيْعُهُ صَرْفٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ.
(وَشُرِطَ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّرْفِ أَيْ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ) بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ قَامَا وَذَهَبَا مَعًا فَرْسَخًا مَثَلًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا فِي مَجْلِسِ الصَّرْفِ أَوْ نَامَا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا فِيهِ، ثُمَّ تَقَابَضَا، بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ إذْ التَّخْيِيرُ تَمْلِيكٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّدِّ وَالْقِيَامُ دَلِيلُهُ، وَالْمُعْتَبَرُ افْتِرَاقُ الْعَاقِدَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ فَأَرْسَلَ رَسُولًا فَقَالَ: بِعْتُك الدَّنَانِيرَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لَك عَلَيَّ، وَقَالَ: قَبِلْتُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُرْسِلِ لَا بِالرَّسُولِ وَكَذَا لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا مُتَفَرِّقَانِ بِأَبْدَانِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَصَحَّ بَيْعُ الْجِنْسِ بِغَيْرِهِ) يَعْنِي الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ (مُجَازَفَةً وَبِفَضْلٍ) إنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ التَّسْوِيَةِ فَلَا يَضُرُّهُ الْجُزَافُ وَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضِ الْقَبْضُ بِالْبَرَاجِمِ لَا بِالتَّخْلِيَةِ (لَا بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْجِنْسِ (بِجِنْسِهِ) لَا مُجَازَفَةً وَلَا بِفَضْلٍ (إلَّا مُتَسَاوِيًا) لِمَا مَرَّ فِي الرِّبَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ» ، وَالْفَضْلُ رِبًا وَفِي الْمُجَازَفَةِ احْتِمَالُ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَصِيَاغَةً) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْأَوْصَافِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَصُوغِ وَالتِّبْرِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ.
وَفِي الْبَحْرِ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا كَبِيرًا بِدِرْهَمٍ صَغِيرٍ أَوْ دِرْهَمًا جَيِّدًا بِدِرْهَمٍ رَدِيءٍ يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُمَا فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ بِيعَ) الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ (مُجَازَفَةً، ثُمَّ عُلِمَ التَّسَاوِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ) وَإِلَّا فَلَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهُ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ زُفَرُ إذَا عُرِفَ التَّسَاوِي بِالْوَزْنِ جَازَ سَوَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute