كَانَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: بِيعَ الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: لَوْ بَاعَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ مُجَازَفَةً فَإِنْ عَلِمَا تَسَاوِيَهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ، وَبَعْدَهُ لَا، عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ قَدْ تَقَدَّمَتْ آنِفًا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكْرَارِ، فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ فَإِنْ بِيعَ أَيْ الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً، ثُمَّ عُلِمَ التَّسَاوِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، تَدَبَّرْ.
(وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِي سَلْبِ الْجَوَازِ لِأَنَّ الشُّبُهَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ بَاعَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ وَاشْتَرَى بِهَا) أَيْ بِالْفِضَّةِ (ثَوْبًا قَبْلَ قَبْضِهَا فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْوَاجِبِ فِي بَدَلَيْ الصَّرْفِ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ فِي الصَّرْفِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنَّ مَا دَخَلَهُ الْبَاءُ أَوْلَى بِالثَّمَنِيَّةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَثْمَانِ الْجَعْلِيَّةِ لَا فِي الْأَثْمَانِ خِلْقِيَّةً، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ.
(وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً تُسَاوِي أَلْفًا مَعَ طَوْقٍ) مِنْ فِضَّةٍ (قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى (وَنَقَدَ) الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا (فَهُوَ ثَمَنُ الطَّوْقِ) لِأَنَّ قَبْضَ ثَمَنِ الصَّرْفِ وَاجِبٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَقَبْضَ ثَمَنِ الْأَمَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَالظَّاهِرُ هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ.
(وَلَوْ اشْتَرَاهَا) أَيْ الْأَمَةَ الَّتِي مَعَهَا طَوْقٌ (بِأَلْفَيْنِ أَلْفٍ نَقْدٍ وَأَلْفٍ نَسِيئَةٍ فَالنَّقْدُ ثَمَنُ الطَّوْقِ) لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الصَّرْفِ بَاطِلٌ، وَفِي الْمَبِيعِ جَائِزٌ فَيُصْرَفُ الْأَجَلُ إلَى الْأَمَةِ دُونَ الطَّوْقِ؛ إذْ الْمُبَاشَرَةُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبُطْلَانِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً فَسَدَ فِي الْكُلِّ قَيَّدَ بِتَأْجِيلِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ لَوْ أُجِّلَ الْكُلُّ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَفْسُدُ فِي الطَّوْقِ دُونَ الْأَمَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ اشْتَرَى سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ) أَيْ تُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا (بِمِائَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى (وَنَقَدَ خَمْسِينَ فَهِيَ حِصَّةُ الْحِلْيَةِ، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُبَيِّنْ) الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْحِلْيَةِ لِأَنَّ حِصَّةَ الْحِلْيَةِ يَجِبُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْوَاجِبَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ وَلَمْ يَنْوِهِ (أَوْ قَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُشْتَرِي " خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهِمَا ": خُذْ بَعْضًا مِنْ ثَمَنِ مَجْمُوعِهِمَا، وَثَمَنُ الْحِلْيَةِ بَعْضُ ثَمَنِ الْمَجْمُوعِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلْجَوَازِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ خُذْ هَذَا عَلَى أَنَّهُ ثَمَنُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَيْسَ الْحَالُ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الِاثْنَيْنِ، وَإِرَادَةِ الْوَاحِدِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: ٦١] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: ٢٢] وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ بِهِ لِلْإِمْكَانِ، وَهُنَا صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يُبَيِّنَ وَيَقُولَ: خُذْ هَذَا، نِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَجْعَلَ الْكُلَّ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ، وَفِيهِمَا يَكُونُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ الْحِلْيَةِ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ عَنْ الْحِلْيَةِ لِحُصُولِ مُرَادِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
وَفِي الْبَحْرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute