للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْإِيفَاءِ قَبْلَ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا.

(وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ فِي الْكُلِّ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمَلُ حَتَّى فِي بَرِئْتَ إلَيَّ لِاحْتِمَالِ: إنِّي أَبْرَأْتُك مَجَازًا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي الِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَرِئْتَ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَفَلَ بِهَا كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَقَوْلِهِ بَرِئْتَ إلَيَّ بِقَضِيَّةِ الْعُرْفِ؛ فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الصَّكَّ يُكْتَبُ عَلَى الطَّالِبِ بِالْبَرَاءَةِ إذَا حَصَلَتْ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يَثْبُتُ الصَّكُّ عَلَيْهِ فَجُعِلَتْ الْكِتَابَةُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عُرْفًا، وَلَا عُرْفَ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

(وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ) بِالْمَالِ (بِالشَّرْطِ) مِثْلُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَجَاءَ غَدٌ، لَا يَبْرَأُ عَنْهَا إذْ شَرْطُهُ بَاطِلٌ وَكَفَالَتُهُ جَائِزَةٌ (كَسَائِرِ الْبَرَاءَاتِ) لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَالتَّمْلِيكَاتُ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ قِمَارًا، هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ إنَّ تَمْلِيكَ الْمُطَالَبَةِ كَتَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فِيهِ ظَاهِرٌ إذْ الْمَالُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إسْقَاطٍ، وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ دُونَ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ وَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْأَصِيلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ، قِيلَ: الْمُرَادُ الشَّرْطُ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ لِلطَّالِبِ فِيهِ أَصْلًا كَدُخُولِ الدَّارِ وَمَجِيءِ الْغَدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، أَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ لِمَا فِي الْإِيضَاحِ: الْكَفِيلُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ لَوْ قَالَ: إنْ وَافَيْتُك غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ، فَوَافَاهُ غَدًا يَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ فَقَدْ جَوَّزُوا تَعْلِيقَ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَكَذَا إذَا عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ بِاسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ يَجُوزُ أَوْ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْبَعْضِ بِتَعْجِيلِ الْبَعْضِ يَجُوزُ كَمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَعُلِمَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَرِوَايَةُ عَدَمِ الْجَوَازِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ، وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ شَرْعًا (مِنْ الْكَفِيلِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) مُطْلَقًا بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ إمْكَانِ إيجَابِهِمَا عَلَى مَنْ تَكَفَّلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِي الْعُقُوبَةِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الِاسْتِدْرَاكُ بِمَا مَرَّ كَمَا قِيلَ (وَلَا) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْبَيْعِ) فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ بِعَيْنِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>