الْأَصِيلِ إنَّمَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ إذَا كَانَتْ بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ فَإِنْ كَانَتْ بِالْحَلِفِ فَلَا.
(وَإِنْ أَبْرَأَ) الطَّالِبُ (الْكَفِيلَ أَوْ أَخَّرَ) الدَّيْنَ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْكَفِيلِ (لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْأَصِيلِ، إذْ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْأُصُولَ لَا تَتْبَعُ الْفُرُوعَ فِي الْوَصْفِ وَلَا يَلْزَمُ عَكْسُ الْمَوْضُوعِ (فَإِنْ كَفَلَ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ مُؤَجِّلًا إلَى وَقْتٍ) أَيْ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا (يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا) لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْكَفِيلِ حَالَ وُجُودِ الْكَفَالَةِ فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى الدَّيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ) الطَّالِبَ (عَنْ أَلْفٍ عَلَى مِائَةٍ بَرِئَا) أَيْ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الْأَلْفِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ فَيَبْرَأُ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ فَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، ثُمَّ بَرِئَا جَمِيعًا عَنْ الْمِائَةِ بِأَدَاءِ الْكَفِيلِ (وَرَجَعَ) الْكَفِيلُ (بِهَا) أَيْ بِالْمِائَةِ (فَقَطْ) عَلَى الْأَصِيلِ (إنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ) إذْ بِالْأَدَاءِ يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَاسْتَوْجَبَ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّ بِالْإِبْرَاءِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ فَلَا يَمْلِكُهُ الْكَفِيلُ فَلَا يَرْجِعُ.
(وَإِنْ صَالَحَ) الْكَفِيلُ الطَّالِبَ (عَنْ الْأَلْفِ بِجِنْسٍ آخَرَ) كَالثَّوْبِ وَغَيْرِهِ (رَجَعَ) الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ (بِالْأَلْفِ) كُلِّهِ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ يَكُونُ مُبَادَلَةً فَيَصِيرُ الْأَلْفُ بِمُقَابَلَةِ الثَّوْبِ فَيَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَيَرْجِعُ بِكُلِّهِ عَلَيْهِ.
وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْأَلْفَ فِي الْأَصْلِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ وَثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ حِينَ أَخَذَ الطَّالِبُ مِنْهُ فَيَصِحُّ تَمْلِيكُ الطَّالِبِ الدَّيْنَ الْأَلْفَ مِنْ الْكَفِيلِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكَذَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ مِنْ الْكَفِيلِ بِالْهِبَةِ إذَا أَذِنَ لَهُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ، وَوَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ فَقَبَضَهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ فَيَصِيرُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مَعَ الْكَفِيلِ مُسَلَّطًا عَلَى الدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ.
(وَإِنْ صَالَحَ) الْكَفِيلُ (عَنْ مُوجَبِ الْكَفَالَةِ) وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ عَنْ شَيْءٍ بِشَرْطِ إبْرَاءِ الْكَفِيلِ خَاصَّةً (بَرِئَ هُوَ) أَيْ الْكَفِيلُ فَقَطْ (دُونَ الْأَصِيلِ) لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ عَنْ الْكَفَالَةِ يَصِيرُ فَسْخًا لِكَفَالَتِهِ لَا إسْقَاطًا لِأَصْلِ الدَّيْنِ.
(وَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بِالْأَمْرِ: بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ) الْكَفِيلُ (عَلَى أَصِيلِهِ) لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ، وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ فَيَرْجِعُ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ أَوْ الدَّفْعِ إلَيْهِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ لِلطَّالِبِ لِإِقْرَارِهِ كَالْكَفِيلِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَكَذَا) رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى أَصِيلِهِ (فِي) قَوْلِ الطَّالِبِ لِلْكَفِيلِ (بَرِئْتَ) دُونَ إلَيَّ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بَرَاءَةً، ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ، وَإِلَيْهِ الْإِيفَاءُ دُونَ الْإِبْرَاءِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَكُونُ بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى - وَهُوَ الْإِبْرَاءُ - وَلَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِالشَّكِّ (وَفِي) قَوْلِ الطَّالِبِ لِلْكَفِيلِ (أَبْرَأْتُك لَا يَرْجِعُ) الْكَفِيلُ إلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لَا يَنْتَهِي إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِالْإِسْقَاطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute