نَفْسِهِ (وَإِلَّا يُنَادِي عَلَيْهِ) أَيَّامًا فَإِنْ حَضَرَ أَحَدٌ وَادَّعَى - وَهُوَ عَلَى إنْكَارِهِ - ابْتَدَأَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا تَأَنَّى فِي ذَلِكَ أَيَّامًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْقَاضِي (ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ بَعْدَ النِّدَاءِ لَكِنْ (بَعْدَمَا اسْتَظْهَرَ فِي أَمْرِهِ) .
وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَا يُخَلِّيهِ حَتَّى يَسْتَظْهِرَ فِي أَمْرِهِ فَيَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ قَالَ لَا كَفِيلَ لِي فَيُنَادِي شَهْرًا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ أَطْلَقَهُ (وَيَعْمَلُ) أَيْ يَعْمَلُ الْقَاضِي الْجَدِيدُ (فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ) الَّتِي وَضَعَهَا الْمَعْزُولُ فِي أَيْدِي الْأُمَنَاءِ (بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ) لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
قَيَّدَ بِغَلَّاتِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ إذَا جَحَدَهُ الْوَارِثُ وَلَا بَيِّنَةَ، وَلَوْ قَالَ الْمَعْزُولُ: إنَّ هَذَا وَقْفُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ سَلَّمْتُهُ إلَى هَذَا وَأَقَرَّ ذُو الْيَدِ وَكَذَّبَهُ الْوَارِثُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْقَاضِي وَذِي الْيَدِ إنْ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (لَا بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا إذَا أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْزُولِ بِإِقْرَارِهِ، ثَبَتَ أَنَّ الْيَدَ كَانَ لِلْمَعْزُولِ سَابِقًا فَصَحَّ إقْرَارُ الْمَعْزُولِ كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ حَالًّا، لِأَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ حَقِيقَةً يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودَعِهِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُودِعِ إلَّا إذَا بَدَأَ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ، وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِالْإِقْرَارِ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَيَجْلِسُ) الْقَاضِي (لِلْحُكْمِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ) بِهَيْئَةٍ يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ جَلَسَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ لَا لِعِبَادَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَلَسَ فِيهِ لِلْحُكْمِ وَقَالَ إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْحُكْمِ الْحَدِيثَ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْقَضَاءُ عِبَادَةً فَلَا مَنْعَ لِحُضُورِ الْمُشْرِكِ فِيهِ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ فِي اعْتِقَادِهِ لَا فِي ظَاهِرِهِ، وَالْحَائِضُ تُمْنَعُ عَنْ الدُّخُولِ لَكِنْ تُقْطَعُ خُصُومَتُهَا فِي بَابِ الْمَسْجِدِ (وَالْجَامِعُ أَوْلَى) مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَفِيٍّ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَغَيْرِهِمْ، هَذَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ وَسَطَ الْبَلَدِ، وَإِلَّا فَيَخْتَارُ الْوَسَطَ مِنْهُمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِلْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ.
(وَلَوْ جَلَسَ فِي دَارِهِ وَأَذِنَ) لِلنَّاسِ (فِي الدُّخُولِ) فِيهَا إذْنًا عَامًّا وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ حَقًّا فِي مَجْلِسِهِ (فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عِبَادَةٌ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ، وَيُجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يُورِثُ التُّهْمَةَ، وَتُبْعِدُ عَنْهُ الْأَعْوَانَ لِأَنَّهُ أَهْيَبُ وَلَا يَحْكُمُ وَهُوَ مَاشٍ أَوْ قَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ بِشَيْءٍ آخَرَ، وَتُجُوِّزَ أَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ، وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ مُسْتَوِيَ الْجُلُوسِ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْقَضَاءِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْعِدَ مَعَهُ أَهْلَ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَحْوَالِ الْقَضَاءِ لَكِنْ لَا يُشَاوِرُهُ عِنْدَ الْخُصُومِ بَلْ يُخْرِجُهُمْ أَوْ يُبْعِدُهُمْ، ثُمَّ يُشَاوِرُهُ.
وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَذِرَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute