لِأَنَّ عُلَمَاءَ السَّلَفِ تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ مِنْ الْحَجَّاجِ مَعَ أَنَّهُ أَظْلَمُ زَمَانِهِ (وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ) وَهُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ فِي نَوْبَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ الْحَقُّ بِيَدِ عَلِيٍّ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ: إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا، قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْمُتَغَلِّبُ إذَا وَلَّى رَجُلًا قَضَاءَ بَلْدَةٍ وَقَضَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ خَالَفَ أَبْطَلَهُ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ التَّقَلُّدُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ يَصِحُّ وَبِمُجَرَّدِ اسْتِيلَاءِ الْبَاغِي لَا يَنْعَزِلُ قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَيَصِحُّ عَزْلُ الْبَاغِي لَهُمْ حَتَّى لَوْ انْهَزَمَ الْبَاغِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ قَضَايَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُقَلِّدْهُمْ سُلْطَانُ الْعَدْلِ ثَانِيًا لِأَنَّ الْبَاغِيَ صَارَ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ الْجَائِرِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ، أَيْ يَجُوزُ تَقَلُّدُهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمَكِّنْهُ الْجَائِرُ وَأَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّقَلُّدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُمَكِّنُهُ.
(وَإِذَا تَقَلَّدَ) أَحَدٌ الْقَضَاءَ بَعْدَ عَزْلِ الْآخَرِ (يَسْأَلُ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالْمَحَاضِرُ وَغَيْرُهَا) مِنْ الصُّكُوكِ وَكِتَابِ نَصْبِ الْأَوْلِيَاءِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ، لِأَنَّ الدِّيوَانَ وُضِعَ لِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ نُسْخَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ وَالْأُخَرَ فِي دِيوَانِ الْقَاضِي، إذْ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَإِنْ كَانَ الْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا إشْكَالَ فِي وَضْعِهِ فِي يَدِ الْقَاضِي الْجَدِيدِ وَكَذَا مِنْ مَالِ الْخُصُومِ أَوْ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ اُتُّخِذَتْ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا (وَيَبْعَثُ) الْقَاضِي الْجَدِيدُ (أَمِينَيْنِ) مِنْ ثِقَاتِهِ وَهُوَ أَحْوَطُ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي (يَقْبِضَانِهَا) أَيْ الْخَرَائِطَ (بِحَضْرَةِ الْمَعْزُولِ أَوْ أَمِينِهِ، وَيَسْأَلَانِهِ) أَيْ الْمَعْزُولَ (شَيْئًا فَشَيْئًا) لِلْكَشْفِ لَا لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ (وَيَجْعَلَانِ كُلَّ نَوْعٍ فِي خَرِيطَةٍ عَلَى حِدَةٍ) فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُسَخِ السِّجِلَّاتِ يَجْمَعَانِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ نَصِيبِ الْأَوْصِيَاءِ يَجْمَعَانِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ نُسَخِ الْأَوْقَافِ يَجْمَعَانِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ الصُّكُوكِ يَجْمَعَانِ فِي خَرِيطَةٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِلتَّنَاوُلِ (وَيَنْظُرُ) الْقَاضِي الْجَدِيدُ (فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ - وَالْمُرَادُ الْمَحْبُوسُ فِي سِجْنِ الْقَاضِي - فَيَبْعَثُ الْقَاضِي ثِقَةً يُحْصِيهِمْ فِي السِّجْنِ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ وَسَبَبَ حَبْسِهِمْ وَمَنْ حَبَسَهُمْ (فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِهِ) أَيْ بِالْحَقِّ (بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " أَلْزَمَهُ " الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَلْزَمَهُ الْحَبْسَ أَيْ أَدَامَ حَبْسَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ) فَلَوْ قَالَ: حَبَسْتُهُ بِحَقٍّ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُنْتُ حَكَمْتُ عَلَيْهِ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَعَلَّلَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ بِفِعْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute