فِي نَفْسِ الْمِلْكِ بِدُونِ السَّبَبِ كَمَا فِي الصَّرِيحِ كَمَنْ ادَّعَى أَمَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَيْتهَا مَثَلًا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ.
(وَالْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ) وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَضَاءِ (نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا) (لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ (وَبِهِ يُفْتَى) كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ (وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَنْفُذُ لَوْ) قَضَى (نَاسِيًا.
وَفِي الْعَمْدِ رِوَايَتَانِ) عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ.
وَفِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ، فَفِي الْخَانِيَّةِ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ نَفَاذُ قَضَائِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي الْفَتْحِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتْوَى، وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ إنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ سَمَاعِهَا وَلَوْ سَمِعَهَا وَقَضَى لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الْحَادِثَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَضِيَّةٍ فِي عَصْرٍ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي عَصْرٍ آخَرَ هَلْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ أَمْ لَا؟
فَعِنْدَهُ يَرْتَفِعُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْتَفِعُ فَيَكُونُ الْخِلَافُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ.
(وَلَا يَقْضِي) الْقَاضِي أَيْ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ (عَلَى غَائِبٍ) وَلَا يَقْضِي لَهُ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ لَمْ تَعْمَلْ إلَّا إذَا سَلِمَتْ عَنْ الطَّعْنِ، وَالطَّاعِنُ غَائِبٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَضَى لِلْغَائِبِ أَوْ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ خَصْمٍ حَاضِرٍ، قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَلِذَا فَسَّرْنَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِعَدَمِ النَّفَاذِ لِقَوْلِهِمْ إذَا نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي نَفَاذِهِ، فَقِيلَ: لَا يَنْفُذُ، وَقِيلَ يَنْفُذُ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْفَتْحِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ، قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَانِ، وَنَحْنُ نُفْتِي بِعَدَمِ النَّفَاذِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقُوا إلَى إبْطَالِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، لَكِنْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي شَافِعِيًّا يَرَاهُ أَوْ حَنَفِيًّا لَا يَرَاهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقٍّ لَمْ يَرَاهُ لِاجْتِمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ، وَلَوْ كَانَ أَعَمَّ لَزِمَ هَدْمُ مَذْهَبِنَا (إلَّا بِحَضْرَةِ نَائِبِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ أَيْ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا لَهُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ) وَأَبِيهِ، وَوَصِيِّ الْمَيِّتِ، وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَعَلَى الْمَيِّتِ وَيَكْتُبُ فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْغَائِبِ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ بِحَضْرَةِ وَصِيِّهِ (أَوْ شَرْعًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَقِيقَةً أَيْ بِإِقَامَةِ الشَّرْعِ عَنْهُ (كَوَصِيٍّ نَصَّبَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute